رم - أطلقت دولة قطر، ومنذ اللحظات الأولى لفوزها بشرف تنظيم بطولة كأس العالم وتحديدا منذ نحو 12 عاما، وعداً بأن المونديال برسائله الانسانية والمجتمعية والتاريخية والمستقبلية سيتعدى حدود المستطيل الأخضر.
وركزت الدوحة من خلال لجنة المشاريع والارث، على أهمية أن تعرف مسيرة التحضير للمونديال من بنى تحتية ومواصلات وأقامة، العديد من المسارات التي تخدم ليس شباب قطر وحسب، بل المنطقة العربية كافة، ومن هنا كان الحرص على توفير فرص العمل للشباب بهدف تنمية مهاراتهم والتعبير عن ابداعاتهم، فهم أمل المستقبل وطموحه الكبير.
وفتحت لجنة الارث والمشاريع الأبواب أمام الشباب العربي، لكي يكون لهم مساهمة فعالة في التحضيرات، وهي العملية التي تواصلت لنحو 12 عاما وشهدت وفدا مستمرا على امتداد تلك السنوات، ليتم الانتقال نحو فتح باب التطوع لاكبر قدر من الشباب العربي لكي يكون لهم الاسهام الحقيقي في التنظيم عبر الكثير من المجالات، الى جانب توفير فرص العمل للخبرات الشبابية في الجوانب الادارية والتسويقية والفنية، ما ساهم باثراء خبراتهم واطلاعهم ايضا على خبرات وثقافة شعوب العالم أجمع.
وحظي عدد كبير من الشباب الاردني بتلك الفرص سواء عبر العمل المباشر او الجانب التطوعي ما ساهم بتعزيز خبراتهم بما يفضي الى المضي قدما بطاقاتهم وابداعاتهم.
الى ذلك، فإن المشهد عرف ايضا متابعة غير مسبوقة من الشباب لمنافسات المونديال، والغريب بل واللافت للأمر أن فئة واسعة منهم هي بالاساس غير شغوفة بكرة القدم، فهل هذا الاهتمام الملحوظ مرده التحول نحو الشغف باللعبة، أم شغل الوقت المهدور في ظل تحديات البطالة؟.
دون أدنى شك، ننظر الى مونديال الدوحة وحيث الابهار الذي بلغ حد الاعجاز بالتنظيم وما رافقه من رسائل للمستقبل المنشود، الى مشاهد المتابعة الملحوظة للشباب والشابات للمنافسات والتفاعل الذي يمهد للكثير من الاسئلة بين الايجابية أو السلبية.
الشغف والخصوصية بين د. موسى مطارنة استاذ علم النفس ان الشباب يهتمون بشكل عام بكأس العالم بعض النظر عن المكان المقام به المونديال الا ان هذه المرة بسبب وجوده في قطر كان له الاثر الاقوى في نفوسهم، لأنه ينظم لأول مرة في دولة عربية. «هناك اشكالية عند العرب عموماً، وهي الشغف لكل شيء عالمي».
وكشف المطارنة ان هناك حالة من الفراغ عند الشباب وعدم وجود استراتيجيات لديهم، ما جعلهم يتابعون كل شي واصبحت لعبة كرة القدم مصدر تفريغ للطاقة السلبية لهم، سواء ان مارسوها او شاهدوها.
واشار الى ان تنظيم المونديال في قطر احدث اثارة كبيرة لاول مرة «لشعورنا بتحقيق شيء عظيم كونه ببلد عربي اوحدث ضجة كبيرة وجعل العالم العربي يشعر بتحقيق شيء مميز بالوقت الذي يشعر به الشباب العربي للاسف انهم في الصفوف الاخيرة».
وأكد مطارنة على ان قطر استطاعت ان تخلق حالة خاصة ومميزة بهذا المونديال من خلال ترسيخ الصبغة العربية والاسلامية في الوقت الذي تتعطش الامة العربية للشعور بالنصر وبوجودها.«اعطى هذا الشيء للشباب العربي قوة وانتعاش وشعروا بالعزيمة الداخلية وهذا الحدث اعطاهم الاحساس المميز».
ولفت الى تكاتف العرب عند فرز اي فريق عربي بهذا المونديال حيث تقوم كافة البلدان برفع الاعلام كما حدث عند فوز السعودية على الارجنتين والمغرب على بلجيكا وتونس على فرنسا.
ويشير الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة ان هذا الحدث اضعف المشهد العام بالنسبة للشباب خاصة طلاب الجامعات والمدارس الذين تركوا الدراسة واستهلكوا وقتهم وركزوا بموضوع المباريات «هناك استنزاف مادي للشباب والطلبة الذين يحضرون المباريات في المقاهي ويدفعون مبالغ بشكل يومي وممكن ان يفيد هذا القطاع على حساب هؤلاء الشباب بالاضافة للاشتراكات لكأس العالم. لافتاً الى ايجابية التماسك العربي بتشجيع كافة الفرق العربية ودعمها بدافع الوحدة وتوحيد مشاعرهم.
فرصة لأصحاب المشاريع يبين الخبير الشبابي د. نور الدين يغمور ان المونديال القطري شكل أكبر فرصة لأصحاب المشاريع الناشئة للتوسعة والتعريف بمنتجاتهم فضلًا عن تطوير ألاداء والربح المادي خلال فترة قصيرة.
واشار ان هناك عدد لا بأس به من الشباب الاردني ممن يعيشون في مدينة قطر ومنهم من ذهب لمدة قصيرة للعمل اثناء هذه الفترة وركزوا على أبراز الهوية العربية المشاريع التي تدمج بين التعريف بالهوية العربية والثقافة والموروث والمنتجات، فضلًا عن مشاريع المواد الغذائية الخاصة بالأكلات والمشروبات الشعبية والتي تدر ربحًا كبيرًا بأقل التكاليف.
وأكد أن المشاركة تعد فرصة مثالية للمشاريع التي تأثرت خلال جائحة كورونا (كوفيد-19) وانطلاقة جديدة لسير الأعمال والتطوير في تقديم الخدمات، وذلك للاستمرارية بعد فعاليات المونديال، مبينًا أن بعض الشباب لديهم أفكار ومبادرات جيدة يمكن أن تضيف كثيرًا لتلك المشاريع.
ويرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن المونديال كونه في بلد عربي كان له فائدة على كثير من الدول العربية لتعريف المجتمعات الغربية بحضارتهم بشكل جديد وحضاري والأردن جزء من هذه التوليفة وشريك مهم حيث استفاد من تنظيم كأس العالم من جوانب عدة؛ وأبرزها: تقديم خدمات أمنية ولوجستية كبيرة، كما ساهم في نقل المشجعين عن طريق الطيران، وقدّمت شركات ومصانع خدمات لوجستية لتجهيز الملاعب وغرف الملابس وغيرها، وحقّق الناقل الوطني -طيران الملكية الأردنية- ومطار الملكة علياء الدولي زيادة في حركة النقل الجوي، مما انعكس على ارتفاع أر?اح شركة المطار، مما ينعكس على إيرادات الخزينة العامة بشكل إيجابي.
إضافة لذلك يتوقع أن يمر من عمّان «ترانزيت» إلى الدوحة ما يقارب مليون زائر، وقد يبقى بعضهم في الأردن أيامًا، ما سيسهم في انتعاش الحركة السياحية، مع زيادة في رواد المطاعم والمقاهي التي حققت مردودًا جيدًا بزيادة مرتاديها لحضور مباريات كأس العالم.
ويرى عايش أن العوائد على الأردن من كأس العالم متعددة ومتنوعة، وتتعلق تلك العوائد بالجهات والأفراد والمؤسسات التي استفادت منها والشباب الذين يعملون بمجالات متعلقة بذلك.
وبين عايش ان الاردن ساهم بشكل اساسي في موضوع تصدير المواد الغذائية والزراعية ما شجع الكثير من المشاريع الزراعية الشبابية للعمل بصورة غير مسبوقة وهذا من الممكن ان تلعب درراً اقتصاديا جيدا.
واشار الى عدد الاردنيين العاملين في قطر بلغ نحو ٦٠ الف.
وقال استاذ الرياضة د. مهند الطراونة: لا أدري كيف يزعم معظم إن لم يكن كل الكتاب والنقّاد والمحللين الرياضيين أنهم يريدون القضاء على التعصب الرياضي للأندية وخاصة أندية كرة القدم! ويبين ان هذا كلام مثالي ولكنه خارج نطاق الواقع الرياضي في كل العالم والأهم أنه مناقض لنوازع النفس البشرية.
واشار الى ان المحاربين لفكرة الولاء والتعصب الرياضي «معظمهم يبذلون جهداً في كبح جماح عواطفه عند التحدث عن التعصب الرياضي، وبعد قليل يدافع بشراسة عن ناديه ومنتخبه ويصور أخطاء لاعبيه وإدارييه وجماهيره على أنها فضائل».
وبين الطراونة ان الولاء والتعصب هو الركن الاول لكرة القدم ومن اساسيات اللعبة وأن تعصب الجماهير لأنديتها هو الروح لكرةالقدم، والتي تؤدي دوراً نفسياً مهماً في التوازن النفسي للمجتمع.
واشار الطراونة الى المشهد الرائع والاحتفالات لدولية بعد نجاح منتخب السعودية ضد الارجنتين واحتفال جميع الدول العربية بهذا النصر لافتًا الى انه شهد يفتخر فيه كل العرب والمشجعين لكرة القدم.
واكد الشاب المهندس الزراعي محي الدين المحسيري صاحب احدى المشاريع الزراعية انه لم يتوقع ان يكون مونديال كأس العالم في قطر له اثر على مشروعه وتجارته بشكل إيجابي، خاصة بعد زيادة الطلب على منتجات زراعية معينة خلال الشهر الماضي وهذا الشهر لزراعة أصناف محددة من الخضروات، وبمواصفات معينة لتصديرها للدوحة. «الطلب على الخضروات المنتجة -حسب طرق الزراعة المائية والمتميزة بخصائصها الغذائية واستبعاد الزراعة المعتمدة على نوع من الهرمونات او استخدام المبيدات الكيماوية- لاقى ارتفاعًا من قبل المصدّرين لقطر، مع توافد جماهير ?أس العالم لحضور المباريات».
وقال المحسيري ان رئيس الجمعية الأردنية لمصدّري ومنتجي الخضروات والفواكه عبد الله الزبن بين في تصريح رسمي إن الطلب القطري على منتجات الخضروات والفواكه الأردنية ارتفع خلال الفترة الماضية مع انطلاق مباريات المونديال وتدفق المشجعين، ما انعكس بشكل إيجابي على المزارع الأردني، مؤكدًا جودة المنتجات الأردنية الزراعية والغذائية».
من جانبه يأمل الشاب عدي أن يأتي الجمهور المحب لكرة القدم إلى المقهى، بعد أن دفع مبلغ كبير قيمة اشتراك باقة كأس العالم، للشركة الموزعة لأجهزة استقبال القنوات الفضائية المتابعة للمباريات. وبين أن الشباب في أمس الحاجة بأن يخرج كأساً بمباريات واحتفالات جميلة.
وشكر الشاب مهند الحجوج دولة قطر لكل الجهود التي قامت بها لانجاح هذا الحدث العالمي الذي شهد له كل العالم بالتنظيم المميز والرائع الذي لم يسبق لغيره أن يكون مثله.
وبين أن دولة قطر أعطت الشباب العربي شعوراً بالنصر وشعور عال بالقومية ولفت الى الدور التي قامت به قطر في الأردن ممثله بسفارتها بإنشاء أكبر خيمة خارج قطر لمتابعة مباريات كأس العالم، ما اتاح الفرصة لأكبر قدر من الشباب لمتابعة المباريات.
ويعمل الشاب محمد الكردي في احد المقاهي بعد تخرجه من الجامعة لعدم وجود فرصة عمل تناسب مؤهله الدراسي، ورغم أنه يحصل على راتب ضئيل لا يتناسب مع دوام 12 ساعة عمل يومياً، فكل أمله أن يشارك محبي كرة القدم في مشاهدة المباريات، حتى تزيد فرصته في المكافآت اليومية التي يدفعها عادة العملاء، في تلك المناسبات المبهجة والنادرة.
ويؤكد علي الدويري صاحب أحد المحلات التي تعنى ببيع المنتجات الرياضية واللباس الرياضي أن خلال هذه الفترة زاد بيع لباس الفرق الرياضية التي تلعب في المونديال «هناك اقبال غير مسبوق بشراء المنتجات الرياضية بشكل يومي حيث يتم بيع اعلام الدول التي تلعب في المونديال والزينة والكثير من الامور».
واشار الى ان هناك فخراً واعتزازاً من قبل الشباب العربي كون هذا المونديال يقام بدولة قطر.
ويؤكد الشاب حسن المجالي ان عشق الشباب لانديتهم الرياضية هو الاساس لمتابعة كرة القدم وكأس العالم «لولا التعصب لما جاءت جماهير المنتخبات بعشرات الآلاف لتشاهد انديتهم على ارض الواقع في دولةعربية تبعد الكثير عن بلادهم. ولولا هذا التعصب الكروي لما بثت البرامج الكروية وأقيمت البرامج التلفزيونية التي تكلف الكثير».
وتبين لانا مجدوبة، طالبة جامعية ولديها صفحة على الانستجرام تقوم بالرسم على وجوه الاطفال في المناسبات واعياد الميلاد ان هذا المونديال اعطاها فرصة جديدة للعمل بالرسم على الوجه. «في موسم الشتاء لا يوجد الكثير من المناسبات والاعياد يقل الدخل الا ان مونديال قطر جلب لنا فرصاً اكبر من قبل.
بين الشاب الاردني محمد العينين المقيم في قطر الدور الذي قامت به الدوحة أيضًا لدعم الشباب حيث تم ابتعاثه للعمل داخل ملاعب كأس العالم كمنظم للعمل مع مجموعات كبيرة بالاضافة لعمله الاصلي.
واشار الى ان هذا المونديال عاد بالفائدة على كل شخص يقيم داخل دولة قطر سواء قطري او من اي جنسية اخرى.
ولفت الى ان هناك الكثير من الشباب العاملين في وظائف عامة وخاصة تم ابتعاثهم للتنظيم ولانجاح هذا الحدث العالمي ولم يكن ذلك على حساب رواتبهم الاصلية لا بالعكس فقد تم صرف اضعاف المبلغ لهم.
وبين ان هناك الكثير من الشباب الاردنيين الذين اتوا فقط للعمل اثناء فترة المونديال من مختلف القطاعات والتخصصات، ما يؤكد حجم الفوائد التي عاد بها تنظيم المونديال.