مَسار الضُوْء


رم -

فِي الطَريقِ صعودٌ ، فِي بلوغِ الشِمالِ ، و أفقِ المَدى .. لأعلى سَماءٍ ، مِعراجُ طِفلَتِنَا نحوَ حُلْمٍ و نَجمةٍ ، و مَسارُها دروبٌ في المَجالِ ، مَتاعُها بَردٌ و بَسمة ، في ميلادِها وُسِمَ اسمُهَا فِي وَثيقَةٍ رَبطَتها بالأرضِ إنسيَّةٌ اسمها "سَلامْ".

مِن "غزَة" هاشِمٍ بدأت ، صَنعَت تاجاً من وردٍ لا يموتْ وَ تَكَللت بالزَهوِ ، زخرَفت مَسَارَهَا بالضوءِ و رَسمت خارِطَتَهَا على تُربةٍ حَمراءَ بُعودٍ مِن براعِمَ .. نحوَ الشِمالِ ، صَعِدَت نحوَ "القُدسِ" تسألُ عَن خَزَفٍ زاهٍ يليقُ بمراياها المُكتَنزةِ بالملامِحِ ، سألت حَتى مالَ الخَطو بِها نحو "الحرم الإبراهيمي" لتغفوَ وَقتَ صَلاةْ كَقِطَةٍ آمِنَةٍ من طَيشِ الصِبيانْ .. قَفزَت طِفلتُنَا "للرَملة"، التَقَت بِفَتىً وَسيمٍ بِمثلِ عُمرِها .. يَبيعُ الصحُفَ ، سألتْهُ عَن نَجمةٍ تُنْظَرُ في وَضَحِ النَهارِ ..؟، فأعطاها جَريدةَ "فلسطينَ و الدِفاع" ، فتحت صَفحة الأخبارِ و قرأتْ ... وُجهَتُهَا ، نالَ حِبرُ الصَحيفَةِ من يَديهَا و لم يَكتُبْهَا خَبرْ ! ، فكان لصابونِ "اللّدِ" نَصيبُ الأميرِ الخَيالِي لِينالَ وِصالَ يديها ..
دَللتْ خطوَهَا و رَقصَت ، على شاطِئٍ من أزرقِ الرؤى .. صَرخت فِي المجالِ ، فحيَّاها بحارٌ و ملأَ جُيوبَها بالصَدَفْ .. عَروساً تَباهَت بخَطوٍ و مَيلْ .. تُباهِي "يافا" ، دلالهُا أغنيَّةٌ و جمالْ ، صموداً نحوَ الجِبالِ ، مُروراً "بنابلِس" و أسواقِهَا ، خبأتْ فِي جُيوبِ قَلبِهَا و حُجراتِهِ الحَلوَى ، وكَم زادَت نِسبَةُ السُكر فِي دَمها كَي تَزيدَهَا حَلاوة !
بقبضَةٍ واهِنَةٍ تسَّلقتْ سلالِمَ "حيفا" نحو "كرمَلٍ" من أخضَرِ الشَجر ، و كم طابَ لها أن تستريحَ تحتَ عُروشِ العنبِ في "الناصِرة" ، رَفعت يَديها لتقطِفَ قَمراً مكسورَ الوَجهِ ، فنورَّت ثِمارُ "بيسانِ" و تغنَّت بعِطرِهَا ..
مسارُهَا متعرِجٌ ، شائِكٌ .. و قَدماهَا طالَهُمَا مِن السَفرِ تعَبْ .. دَخلت غاباتٍ من بَلوطٍ مُتشابِكٍ ، فسيَّجَ أرضَهَا سِنديانْ ! صَرخَتْ فِي التِيْهِ و ثَقَبتْ عتمَ الليلِ .. نادَت حَتى طالَ صَوتُها أعلى من الضِفَتينِ ، و تَعِبتْ .
شَرِبَت من "طَبريا" حَفنَةَ صُمودٍ ، نَفضَتْ غُبارَ الطَلعِ عَن كَتِفَيهَا .. و أكمَلت الصعودَ أكثَر.. حاصَرهَا الشَجرْ ! الزيتون رسمَ دائِرَةً حولَهَا ، و البلوطُ أحكَمَ المتاهَةَ و انغَلَقَ حدَّ "صَفَدْ"..
أعلَى فأعلَى ، تسَلّقَتْ سَلالِمَ من غَيمٍ خَفيفٍ كالقُطنِ .. كَم كان حَنوناً على قَدميهَا ، تَركَت لِكُلِّ غَيمَةٍ "برتقالَةً" كانَت مَلأت بِها سِلالَهَا ، و رِسالَةَ شُكرٍ .. تهجأتِ الحروفَ حتَّى العَتبْ ، تهَيأت لِتَكونَ ملاكاً ... و بدأ يتخَثَرُ فيها النَبضُ ، ارخَت جَناحَيهَا و أطلَقتْ زَفيراً أخير ، .. و أسدَلتْ جُفونَهَا على الحُلمِ ، رَفعت يديهَا عالياً نحوَ السَماءِ .. أَسْلَمَتْ قَلبَهَا ، و انتهى السَفرْ!

من حصاد الورد ، ريم الكيالي.



عدد المشاهدات : (4082)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :