رم - نادية ابراهيم القيسي
صراع القوى ما بين الخير والشر تلك الحكاية التي لا تندثر منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا إنما تستنسخ بصور شتى وبسوداوية متصاعدة الاحتدام عبر الأزمان إلى أن يحين موعد الفناء الأبدي لينهي هذا الصراع الأزلي ما بين النور والظلمات بقيام ميزان العدل ليُحكم بين الباطل والحق فيما كانوا فيه يتجادلون يختلفون ويعمهون في يوم لا يظلم فيه أحداً.
لكن ما نحن بفاعلين حتى ذلك الحين؟ كيف لنا أن نتخطى كل ما نقذف في داخله من متاهات أعاصير وصراعات قاهرة تستنزف طاقاتنا وتخير قوانا في عوالم اختلطت فيها كل المفاهيم؟ واختلت كل الموازين الدنيويه فما عاد هناك تمييز ما بين صدق وكذب حقيقة ووهم أو حتى إثبات ونكران. كيف لنا أن نحيا دون ضياع ونستكين لو بفتات سلام؟ فالعالم عاد ليصبح عبارة عن أدغال بدائية تستوطنها الوحوش الضارية المستترة تحت منحوتات هشة زائفة تعكس صورًا متألقة حضارية ترفع شعارات الانسانية والمثل العليا زوراً وبهتان. لنتساءل بوهن هل ما زالت المنظومة الأخلاقية حية في دواخلنا؟ أم تراها اندثرت بتقادم الزمان تغيرات بنية المجتمعات وقيم الانسان؟ أين منا ذلك العبق التاريخي وما خُط في رواياته وسطرته صفحاته من المروءة النخوة والشهامة منذ زمن الجاهلية الأولى؟ أين أحفاد بيض الهند القاطرة بالدم دفاعاً عن المباديء والشرف، أين أبناء المعتصم الذي حرك جحافل الجيوش لتقطع الأرض بما صعبت ورحبت استجابة لصرخة مدوية استنجدت به ''وا معتصماه'' فدُكت أسوار أعظم المدائن آنذاك ليجيبها فعلاً وليس قولاً ''لبيك يا أختاه''. أين نحن منهم و إلى أين نهوي؟ في اتباع مواعيد عرقوب أم في تخبطات دروب ستلقي بنا في وادٍ سحيق لا قرار له يسكنه جموع الشياطين ليقتاتوا علينا نهشاً بلا أدنى تردد شفقة أو رحمة عندما لهم الوقت يحين. كيف لنا أن ننجو؟ وقد تلقينا الطعنات الغائرة من الحبيب القريب قبل العدو الغريب لتنزف جراحنا ألماً وقهراً بحزنٍ يكوي أضلعنا من فيض نارٍ ولهيب لا ينطفئ. كيف نمضي في هذه الحياة؟ أَصُم بكم عمي فلا نفقه شيئًا؟ كي يستمر بنا الطريق فننهي أقدار حياتنا ونذوي بصمت بلا أدنى تعبير دعاةٌ باحترافية مطلقة أننا بلا أي احساس أو شعور !! كيف لنا أن نتخلى؟ عن كل ما آمنا به وأمّنا له بذاتنا ذواتنا وما ملكنا من أمر دنيانا هل نفعل فقط لننجو من مكائد الشر ومعاقل من هم بلا وازع أو دين؟ كيف لنا أن نصمد أكثر والتكالب علينا من كل حدب وصوب؟ جمعوا لنا وما علموا أننا بقوة معتقداتنا نيقن أن عين الله تحرسنا بنصر من عنده دوماً يسعفنا بعدله ورحمته يشملنا وهو كل ما لدينا لأبد الآبدين.
مقالتي اليوم بلا عنوان.. لأننا نعجز أحياناً أن نصيغ المسميات في بضع حروف رهبة منا وخشية -باللاوعي أو بكامل الوعي- أن ننطق كلمات بنطقها تصبح واقعاً مقولباً يهيمن بحضورٍ طاغٍ على كل ما نحاول عبثاً أن نتجاهل حقيقة وجوده المثبتة بشكل قاطع في حياتنا. أو لأننا نعجز حقاً أن نختصر كل شيء بمسمى لا يليق أو يكافئ فظاعة وبشاعة موت الضمير الانساني وانعدامه أو فداحة ما يقترف بغيابه الجلي من غي بغي وطغيان لا ينتهي إلى يوم الدين. فليبقى كل شيء بلا عنوان إلى أن يشاء الله أو يحدث بعد ذلك أمراً. والله دوماً من وراء القصد