رم - نادية ابراهيم القيسي
«عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء عيوننا إليك ترحل كلّ يوم وإنّني أصلّي الطفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان لأجل من تشرّدوا لأجل أطفال بلا منازل لأجل من دافع واستشهد في المداخل واستشهد السلام في وطن السلام وسقط العدل على المداخل»..
كلمات ترنم بها صوت فيروزي مخملي عريق على مر السنين يتلو سرمدية واقع الالتحام والانصهار الكلي المندمج في بوتقة ماض حاضر ومستقبل واحد لأخوة الأرض والمجد مسلمون ومسيحيون في أرضنا الطاهرة المقدسة على امتداد الضفتين الشرقية والغربية حيث أن التآخي والتعايش الإسلامي المسيحي في كل من الأردن و فلسطين يعد مثلاً يحتذى به للعالم أجمع عن المعنى الحقيقي للتسامح الديني والعيش المشترك بوئام وانسجام تام كمجتمع مترابط متكامل بكافة أطيافه بشواهد وأحداث تاريخية تروي تكاتفهم وتآزرهم الدائم و لعل أبرزها هو النضال والاستشهاد في سبيل الحرية لأرض فلسطين الأبية. فعلى مر العصور أصبح المسلمون والمسيحيون خندقاً واحداً تقاسموا الفرح والرغد وتعاضدوا في مواجهة كل المحن والصعاب التي مرت بنا فوق هذه الأراضي الطاهرة وإن في حرب غزة الأخيرة الدليل الدامغ على هذا الوفاق والاتفاق على وحدة المصير الأبدي لأشقاء التراب والوطن. فالعدوان الصهيوني المجرم لم يفرق بين مسجد و كنيسة أو شيخ و راهب أو مسلم و مسيحي فكان و مازال الاعتداء القتل و التدمير الممنهج يطال كل ما يمكن أن يطال في أرض الميلاد. فمنذ بداية الحرب الأخيرة كان الاستهداف الصهيوني جلياً واضحاً لدور العبادة الإسلامية والمسيحية فكان قصف (كنيسة القديس برفيريوس) التي تعتبر من أقدم الكنائس في العالم وانهيار أحد مبانيها التي نزح إليه الكثيرين بحثاً عن ملجأ آمن من ويلات العدوان الغاشم و قصف وتدمير العشرات من المساجد أما بشكل كامل أو جزئي مما أدى لاستشهاد عدد من موظفي وزارة الأوقاف الفلسطينية واصابة آخرون بإصابات متفاوتة الشدة حسب التقارير الرسمية لهو البرهان القاطع على فظاعة جرائم الحرب الصهيونية التي لا تتوانى عن إبادة الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه بلا أدنى رادع أو احترام للحرمات الانسانية والدينية.
في خضم كل هذا الحزن المعاناة و الألم الذي زادنا وحدة و تماسكاً أكثر فأكثر حلت الأعياد المسيحية و لسان حالنا يقول ((بأي حال جئت يا عيد)) أين تلك هي البهجة الدافئة في صقيع كانون؟؟ أين تلك الأشجار المزينة المتلألئة اللامعة البراقة التي تعانق في قلوبنا الفرح كباراً و صغاراً؟؟. لمن ستغلف الهدايا بجميل الألوان و الأشكال؟؟ والأطفال قد قضوا غدراً تحت أنقاض القصف الوحشي و الدمار. لقد ألغيت الاحتفالات و اقتصرت الأعياد على الطقوس الدينية الصلوات والدعوات لإحلال السلام و غيث الأحياء في غزة و أرض فلسطين من ويلات حرب بني صهيون بتقديم التبرعات والمعونات.
و قد صرح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله و رعاه بما تفيض به مشاعرنا جميعاً في هذه المناسبة قائلاً:
((في الوقت الذي يحتفي العالم بعيد الميلاد المجيد تغيب البهجة ويغيب السلام عن الأهل المسيحيين في الأراضي المقدسة، التي لا يمكن أن تنعم بالسلام في ظل عدوان غاشم على الأهل في غزة والتضييق على المصلين في القدس وبيت لحم. أمنياتنا بالسلام لإخواننا وأخواتنا المسيحيين في فلسطين والعالم)).
ليتزامن مع ذلك في عشية ليلة الميلاد تنفيذ التوجيهات الملكية السامية من قبل القوات المسلحة الأردنية بالإنزال الجوي الإغاثي لمساعدة المحاصرين داخل كنيسة (القديس برفيريوس) شمال قطاع غزة بمعونات غذائية وانسانية تلبي الاحتياجات الأساسية كرسالة تضامنية أردنية هاشمية مع الأخوة المسيحيين ومحاولات التخفيف من معاناتهم في ضل الحرب الصهيونية المتوحشة.
((لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلّي سأدقّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية))..
لن يقفل في أرضنا باب مسجد أو كنيسة ولن تتمكن منا يوماً فتنة أو إثارة نعرات طائفية بل دوماً سيرفع الآذان ويقام القداس بكل أمان و سلام فيما بيننا فتلك الكفوف التي حملت الجثمان والتابوت لشهداء الحق المدافعين عن مقدسات المسلمين و المسيحيين لن تنسى يوماً المواثيق والعهود بل ستورثها بالدم ليأتي ذات يوم الغضب الساطع الذي وعدنا به و يهزم وجه القوة الطاغية و ستبقى ما بين الهلال والصليب هي مقدساتنا والسلام على أرضها و فيها هو حقنا الذي عنه أبداً لن نحيد.
حفظ الله الأردن و فلسطين و الله دوماً من وراء القصد
الرأي