رم - د. محمد أبو حمور
أثناء رعايته لمنتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني السنغافوري أعرب سمو ولي العهد الحسين بن عبد الله الثاني عن طموح الأردن ليصبح قوة صاعدة في المشهد التكنولوجي العالمي، وأكد أهمية التحول الرقمي وريادة الاعمال في تعزيز الابداع وتحويل الأفكار الى واقع، وهذا الطموح يراود أذهان فئة واسعة من الشباب الأردني الساعي دوماً الى مواكبة التقدم التكنولوجي الذي يشهده عالمنا المعاصر، حيث شهدت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقدماً سريعاً وتحولات جوهرية أثرت على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح تبني ?لتكنولوجيا الحديثة ضرورة لتعزيز الكفاءة والفاعلية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والنهوض بمستوى الإنتاجية والتنافسية ووسيلة لتعزيز الشفافية وترسيخ التفاعل المنتج بين مختلف الشرائح الاجتماعية وبناء شراكة حقيقية تحقق الطموحات التنموية.
والحديث عن الطموحات الأردنية في هذا الإطار يستند الى معطيات وثوابت وممكنات يمكن عبر استغلالها الرشيد أن نواصل البناء والانجاز لنتمكن من تحقيق ما نصبو اليه، ومن المعلوم أن التكنولوجيا الحديثة تتطلب أولاً توفر رأس المال البشري الكفؤ القادر على الابداع والابتكار، والأردن يزخر بمثل هذه الكفاءات خاصة وأن مؤسسات التعليم العالي تخرج سنوياً أكثر من ثمانية الاف طالب في التخصصات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات.
وهناك متسع لرفع كفاءة هؤلاء الخريجين وتدريبهم ليكتسبوا المهارات والمعارف التي تؤهلهم للمشاركة في ترسيخ جهود التطور والتقدم التكنولوجي، كما أن البيئة الاستثمارية وما تشهده من عمل متواصل لجذب الاستثمارات وتنشيط الشراكات وتحسين بيئة الاعمال وتطوريها يعد مقوماً أساسياً لرفد هذا الطموح وإيجاد الأرضية المناسبة لتوطين التكنولوجيا الحديثة وصولاً الى بناء مركز عالمي في المملكة.
وفي سياق الحديث عن التكنولوجيا المتطورة بما في ذلك التقنيات الرقمية من المهم التذكير بان ما يبذل من جهد وما يتم استقطابه من استثمارات يترتب عليه العديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل نوعية ومستدامة تساهم في حل مشكلة البطالة التي يعاني منها المجتمع الأردني.
هذا بالإضافة الى توفير بيئة تحتضن الابداع والابتكار وتعمل على تنميته والاستفادة منه وتوسيع مجالاته، مع عدم اغفال الأثر الإيجابي المتمثل في تنمية راس المال البشري وتحفيز الشباب على تنمية مهاراتهم وقدراتهم المعرفية والتكنولوجية.
التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم حالياً تكاد تكون غير مسبوقة وقد أصبحت الشركات التكنولوجية رائدة في أسواق المال فمثلاً ارتفعت القيمة السوقية لأكبر سبع شركات تكنولوجية مدرجة في وول ستريت خلال العام الماضي بحوالي 74% لتصل قيمتها الى 12 تريليون دولار أو ما يعادل أربعة أضعاف الاقتصاد الألماني.
وهناك اقبال واضح على الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وتشير بعض الإحصاءات الى أن شركات الاستثمار العالمية قد ساهمت في تمويل شركات الذكاء الاصطناعي حتى نهاية أيلول من العام الماضي بحوالي 21.5 مليار دولار، في حين أن اجمالي الاستثمارات عام 2022 كانت حوالي 5.1 مليار دولار.
وتشير التوقعات الى أن المؤسسات المالية ستضاعف حجم انفاقها على الذكاء الاصطناعي بحلول 2027، ووفقا لشركة البيانات الدولية تشهد مبيعات البرمجيات والأجهزة والخدمات اللازمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي قفزة بنسبة 29% لتبلغ 166 مليار دولار، وقد تصل إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2027، كما أن حجم إنفاق القطاع المالي سيتجاوز الضعف ليبلغ 97 مليار دولار في عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 29%.
التقدم التكنولوجي يحمل في طياته العديد من الفرص والتحديات في آن معاً، ولكي نتمكن من اقتناص الفرص وتجاوز التحديات في بيئة تشهد تنافساً على مستوى العالم لا بد أن نقر بحاجتنا واستعدادنا لتوفير المتطلبات اللازمة للسير قدماً في هذا المجال بما في ذلك إدراك الأثر المتوقع على طبيعة فرص العمل المستقبلية والمهارات المطلوبة لشغلها.
علماً بان التكنولوجيا الحديثة تتقاطع مع العديد من القطاعات المكونة لمحركات النمو في رؤية التحديث الاقتصادي بما في ذلك خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ومختلف عناصر مكون الريادة والابداع، ولا شك بان الأردن قادر أن يصبح قوة صاعدة في المشهد التكنولوجي العالمي خاصة اذا تم البناء على ما تحقق من إنجازات وفق رؤية تستند الى إرادة سياسية طموحة وجهود مخلصة وتعاون بناء وشراكة مثمرة بين مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال.