رم - عبدالهادي راجي المجالي
.... من كثرة جلوسي على التلفاز , تعلمت اللهجة الغزاوية ....ما أجمل تلك اللهجة على ألسنة الأطفال ورجال المقاومة ....
يوجد في عمان لدينا (البرتش كاونسل) وهو معهد معتمد لتدريس اللغة الإنجليزية ومنح الطلبة شهادة , تؤهلهم للدراسة في بريطانيا ...يوجد لدينا أيضا ما يسمى شهادة (التوفل) ...وهي أيضا مهمة, تؤهل من يحملها للدراسة في جامعات أمريكا ...أنا لا تهمني بريطانيا ولا أمريكا يهمني أن أقوم بفتح معهد لتعليم (الغزاوية الفصيحة) ..أحس أن أهل غ زة حين يتحدثون بها كأن الحروف ترقص على ألسنتهم ..تلك المرة الأولى التي أعرف أن مخارج الحروف في غ زة من القلب وليس من الحنجرة ...
قبل فترة قال أحد الإطفال على قناة الجزير : ( إمي عيانه كتيير ...ما فشه دوا , واحنا بنام ع الكصف وبنفيق ع الكصف) ....هذه الجملة تطربك , لقد أسس (الغزي) بلهجته طربا جديدا يضاف إلى السلم الموسيقي العربي والعالمي..أسس مقام الحرب , وفي الشجاعية قرروا أن يأسسوا مقاما جديدا وإيقاعا مرتفعا أسموه إيقاع المقاومة , (الغزي) أيضا أثبت أن الياس ين (105) أهم من البيانو ...حين تسمع مقطوعة (لشوبان ) على البيانو , ربما تشعر بالراحة ...بالمقابل مقطوعات الياس ين (105) لا تجعلك تشعر بالراحة , بل تجعلك تشعر بالنصر ..بأن للعرب يدا تثأر وسلاحا يضرب ..وسؤالي هنا من هو الذي انتشر أكثر في العالم , (شوبان) أم قذائف (الي اسين) ؟ ..حتما الي اسين .
...هل سمعتم الرجل الذي كان يوجه المقاتلين والذي صرخ : (حلل يا دويري ) قبل أن يطلق جملته هذه ماذا قال ؟ قال : (الله أكبر في كلبهم يا ولاد ...حلل يا دويري) ..لاحظوا كلمة في (كلبهم) كان يقصد في (قلوبهم) ...لكنه سحر اللهجة الغزية الف لسطينية , التي تخرج أحيانا أجمل من القذيفة , انفجار جملة : (حلل يادويري) تطايرت شظاياه في كل العالم العربي ...هي لم تكن صرخة باتجاه الباشا فايز الدويري ...بقدر ما كانت مقطوعة موسيقية عظيمة , تجاوزت بروعتها كل ما أنتجه (تشايكوفسكي) ...أصلا ماذا أنتج هذا الرجل ؟ أنتج بحيرة البجع , كسارة البندق ....المقاومة لم تقم بتكسير البندق بل قامت بتكسير الرؤوس , وأنتجت بحيرات من الدم لجنود الإحتلال ...لو كان (تشايكوفسكي) حيا واستمع لصوت صاروخ عي اش وهو ينطلق لأنتج مقطوعة أسماها مقطوعة (الح ماس) وربما اجتاحت العالم وأصبحت أعظم موسيقى ينتجها العقل البشري .
أريد أن افتتح معهدا لتعليم اللهجة (الغزاوية ), صرت أتقنها ...وتدخل في سلوكي ومنامي وفنجان قهوة والسيجارة , حتى أنني حين أقف في المساء أمام منزلي لتدخين سيجارة ..صرت أراقب حركة السيارات , وكأنني أبحث عن دبابة , وكأن السيجارة في يدي (عبوة شواظ)...صرت أعود بالذاكرة لمشهد المقاوم وهو يقول لصاحبه : (اتركها اتركها هاي جرافة ..في دبابة جاية) .... حتى حين أكون في السيارة واخر واحد يعبر الإشارة الخضراء , صرت أتخيل نفسي في زقاق من أحياء غزة ...وأتخيل الإشارة دبابة (ميركافا) وأنطلق ...وأحيانا أصرخ : ألله أكبر ...وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ..
غ زة دخلت في سلوكي , في دمي , في الأحلام ....صدقوني حتى الأحلام اقتحمتها غزة ...هي داء لاتشفى منه , وهي بذات الوقت الدواء ...أنا مصاب بمتلازمة الياس ين (105) ولا أريد الشفاء أبدا .
[email protected] الرأي