رم - د.منذر الحوارات
يعود انتوني بلينكن من جولته العربية الخامسة للقاء نتنياهو حاملاً ملفين، الأول نتائج اجتماعات باريس والقاهرة والمتعلقة بشروط حماس لإطلاق المحتجزين لديها، والثاني نتائج اجتماع السداسية العربية في الرياض والذي وضع المحددات العربية للعلاقة مع دولة الاحتلال، وكان في مقدمتها وقف الحرب والاعتراف بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، ووقف خطط إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وغيرها، رُفض هذان الملفان جملة وتفصيلاً من قبل نتنياهو، وربما كان هذا الرفض مفهوماً لما عُرف عن نتنياهو من صلف وتعنت وتمسكه بأجنداته الخاصة، لكن الغريب تصريحه إلى وسائل الأعلام بأنه أبلغ وزير الخارجية بموعد اجتياح رفح والذي سيكون على الأغلب في غضون أسبوعين، بعدها مباشر أعلن بأن الجيش يعد العدة لترحيل السكان يبقى السؤال إلى أين ؟
تعلم إسرائيل صعوبة اجتياح مدينة رفح بسبب المعارضة المصرية وتصدع الغطاء الدولي نتيجة لتخوفه من حجم الخسائر البشرية المتوقعة، ورغم ذلك لا يبدو أن إسرائيل في نية التراجع؛ لأن هذا هو الجزء الإستراتيجي الأهم من خطتها والذي حاولت إخفاءه بين ثنايا أهدافها التكتيكية والتي لم تُحقق جزئيها الرئيسين وهما اجتثاث حماس وإطلاق الرهائن، لكن السؤال هل يتم هذا العدوان برفض الولايات المتحد أم بموافقتها أم بخداعها وتوريطها من قبل نتنياهو ؟ الذي أصر على إعلان نية إسرائيل بحضور أنتوني بلينكن بحيث يبدو الأمر وكأن نتنياهو حصل على غض طرف من قبل الولايات المتحدة أو موافقتها الضمنية بحجة أن هناك أربع كتائب لحماس في منطقة رفح يجب القضاء عليها، رغم ذلك وُجه نتنياهو بتصلب أميركي كبير بالنسبة للمدنيين؛ لأن جعبة بايدن لم تعد تحتمل النقد الداخلي والدولي حيالهم، وهذا ما تنبه له نتنياهو إذ أقنع الولايات المتحدة بأنه سيقوم بإنشاء مخيمات مؤقتة ينقل إليها اللاجئين من رفح .
لكن لا يبدو أن بايدن كان واثقاً مما يعلنه نتنياهو بالتالي كان عليه أن يؤمن مخرجاً آخر للمدنيين وربما هذا ما سعى إليه نتنياهو، فكان تصريح بايدن الخطير (بأنه هو من أقنع مصر بفتح معبر رفح بعد أن كانت تريده أن يبقى مغلقاً)، طبعاً أخذت الكثير من القوى السياسية هذا التصريح وبدأت بترويجه على أنه حقيقة مؤكدة وأنه خيانة للشعب الفلسطيني، متناسين أن إسرائيل هي من قصفت الطرق المؤدية إلى المعبر منذ الأيام الأولى وأن مصر طلبت من الولايات المتحدة التدخل لكنها لم تتمكن من إقناع إسرائيل، هذا من الناحية اللوجستية، لكن لندقق بالتصريح الذي قيل مباشرة بعد الإعلان عن موعد العدوان على رفح، والسؤال هل كان القصد هو المساعدات العينية في الاتجاه إلى داخل غزة أم التدفقات البشرية الخارجة من غزة ومن الواضح أن الأخيرة هي المعنية.
لقد دشن بايدن المرحلة الأخيرة من العدوان على غزة وهي أهم مرحلة والتي تقتضي إفراغ غزة من سكانها والتي يعتبر ما عداها هوامش، ونحن الآن في النقطة الأهم التي أراد نتنياهو الوصول إليها، هذه المرحلة تبدأ بالضغط على مصر وتحميلها التبعات الإنسانية لما سيحصل في رفح وستبدأ الأصوات تتعالى متهمة مصر بالتنكر لمعاناة اللاجئين وبأنها فقدت إنسانيتها، وللأسف سنشارك في هذا الكرنفال التصفوي وقد أعمت عيوننا وأغلقت على قلوبنا مواقفنا السياسية التي تنسينا دائماً أهدافنا الإستراتيجية، رغم أن مصر التقطت الإشارة وتعاملت بموجبها وذلك بأن أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الحدود والأهم من ذلك أنها وضعت اتفاقية كامب ديفيد على طاولة المراجعة والتعليق.
لذلك فإن إنقاذ فلسطين والقضية الفلسطينية يبدأ من هنا بإبقاء العنصر الإستراتيجي الذي تعتبره إسرائيل عدوها الأول، إنهم المواطنون الفلسطينيون والذين وضعتهم الإستراتيجية الصهيونية نصب أعينها منذ اليوم الأول، لذلك فتصريح بايدن ليس عن عبث ولا هو هذيان عمري وليس ابن لحظته بل إنه مقصود لغاية قريبة ولهدف إستراتيجي بعيد المدى سيكون له ما بعده، لكن ما يقلق الأميركان هو أن تطول العملية لذلك كانت نصيحتهم الأولى لإسرائيل افعلوها بسرعة ولا تعرضونا لمزيد من الحرج.