رم - يُعد الجهاز البولي التناسلي الأنثوي معجزة خلقية نظراً لقدرته على تحقيق التوازن الأمثل بين الوظائف البولية والتناسلية دون أي هامشٍ للخطأ. إلا أن تركيبة الأعضاء الفريدة من نوعها هذه، قد تُصاب أحياناً بخلل ما لأسباب عديدة، ما يؤدي لحدوث مشاكل مثل صعوبة التحكم بالمثانة، الأمر الذي يؤثر سلباً على الصحة البدنية والعاطفية للسيدات.
ومن المهم ملاحظة أن مشاكل صعوبة التحكم بالمثانة لا تقتصر على فئات عمرية محددة من النساء، بل يمكن أن تحدث في أي مرحلة من حياة السيدة. وأكثر مشاكل التحكم بالمثانة شيوعاً والتي تشهد معدلات الإصابة بها نمواً ملحوظاً هي فرط نشاط المثانة، ومشكلة المثانة العصبية التي تُعزى لأسباب متعلقة بالدماغ أو اضطرابات في الحبل الشوكي أو الأعصاب، وسلس البول وتكراره، وهو عملياً التبول بشكل لا إرادي. وتؤثر هذه الحالات الصحية على عدد كبير من النساء في دولة الإمارات، إذ تتعرض لها نسبة 42.2% من السيدات البالغات في مرحلة ما من حياتهن.
قد تواجه المزيد من النساء مشكلة صعوبة التحكم بالمثانة، إلا أن العبء النفسي الذي تلقيه هذه المشاكل على عاتقهن وما يصاحبه من حرج اجتماعي كبير يعتبر عائقاً رئيسياً أمام طلبهن للمشورة الطبية. ولذلك، يقدم الدكتور زكي الملاح استشاري أمراض المسالك البولية بمعهد التخصصات الجراحية الدقيقة في مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، معلومات حول أكثر مشاكل صعوبة التحكم بالمثانة شيوعاً وأسبابها وأعراضها، ويؤكد على ضرورة مساعدة السيدات على إزالة تلك الأعباء النفسية عن عاتقهن، مع وجود خيار علاجي لكل حالة منها.
فهم فرط نشاط المثانة
يتم تشخيص فرط نشاط المثانة بناءً على شعور المريضة بتكرار الحاجة للتبول، والذي قد يقود لتسرب لا إرادي للبول أو ما يعرف بسلس البول. وتظهر هذه الحالة نتيجة تشنج مفاجئ في عضلات المثانة، حتى إن لم تكن ممتلئة بالكامل. وقد تختبر المصابة بفرط النشاط شعوراً ملحاً بالحاجة للتبول أو تكرار التبول أثناء الليل بما يؤثر سلباً على صحة نومها وروتين حياتها اليومي.
وتُعزى أبرز الأسباب وعوامل الخطر المرتبطة بفرط نشاط المثانة إلى مجموعة من العوامل، بما يشمل العمر والتغيرات الهرمونية والحالات العصبية. ويمكن لضعف عضلات المثانة أو قاع الحوض بسبب الولادة أو الوصول لسن الأمل أو جراحات الحوض أن تساهم في هذه الحالة أيضاً. كما أن السمنة والتهابات المسالك البولية ومجموعة من الحالات الطبية الأخرى قد تزيد من خطر الإصابة بفرط نشاط المثانة.
المثانة العصبية
يحدث مرض المثانة العصبية عند تضرر الأعصاب التي تتحكم بوظيفة المثانة، وقد يقع هذا الضرر بسبب حالات مثل إصابات الحبل الشوكي، أو التصلب المتعدد، أو مرض السكري. ويمكن أن تؤدي المثانة العصبية إما إلى صعوبة إفراغ المثانة أو إلى تسرب البول بشكل لا إرادي، حسب شدة تلف الأعصاب.
ويؤكد الدكتور الملاح أن المثانة العصبية تكون عادة دلالة على اضطراب عصبي آخر يؤثر على انتقال السيالات العصبية بين الدماغ والمثانة. ويمكن لإصابات الحبل الشوكي، والسكتات الدماغية، وبعض أمراض المناعة الذاتية أن تلحق الضرر بالأعصاب المسؤولة عن تنظيم وظيفة المثانة. وعلى الرغم من أن هذه الحالة لا يمكن علاجها، إلا أنه يمكن إدارتها بشكل جيد، بالخيارات العلاجية الدوائية واستخدام القسطرة وإجراء التغييرات اللازمة في أنماط الحياة.
ماهية سلس البول
يعتبر سلسل البول واحداً من أكثر المشاكل شيوعاً بين النساء، إلا أن الكثير من المفاهيم الخاطئة تحيط بهذه المشكلة الصحية. ويشير الدكتور الملاح إلى اعتقاد سائد بين العديد من النساء أن سلسل البول هو تسرب قطرات من البول بعد الانتهاء من التبول. إلا أن سلسل البول في الحقيقة هو تسرب البول بشكل لا إرادي، وقد يصل لحدود شديدة. وهنالك نوعان رئيسيان لهذه الحالة هما سلس البول الإجهادي والإلحاحي. فسلس البول الإلحاحي، يحدث بسبب فرط نشاط المثانة، وينطوي على فقدان البول بشكل لا إرادي بسبب الرغبة المفاجئة في التبول، في حين يحدث سلس البول الإجهادي عند الضغط على المثانة، مما يسبب التسرب.
ويمكن لسلس البول أن يكون نتيجة لعدد من العوامل بما في ذلك التغيرات الهرمونية خلال الحمل والوصول لسن الأمل، وضعف عضلات قاع الحوض، وحالات صحية مزمنة مثل السمنة والسكري. كما أن الولادة وجراحات الحوض قد تسبب ضعف قاع الحوض، بما يسبب سلس البول.
الضغوط العاطفية والآثار النفسية الناتجة عن صعوبة التحكم بالمثانة
أكد الدكتور الملاح أن إيجاد صعوبة في التحكم بالمثانة لا يقود لعدم الارتياح على المستوى البدني فحسب، وإنما يحمل عبئاً عاطفياً كبيراً يثقل كاهل المريضات. وقال: "يمكن أن يؤثر القلق، الحرج، انخفاض تقدير الذات والإحباط المرتبط بهذه الحالات على الصورة الذاتية للمرأة وصحتها النفسية، بما يقود لآثار سلبية على نوعية الحياة عموماً".
تعتبر الحاجة المتكررة لدخول الحمام المصحوبة بالخوف من حدوث تسرب مفاجئ أو مواجهة صعوبة في التحكم بالمثانة أو إفراغها من الصعوبات التي تواجهها النساء المصابات بهذه المشكلة وتعرضهن للقلق الاجتماعي، وقد يصل الأمر لعزوفهن عن النشاط الاجتماعي ويدفعهن للعزلة والابتعاد عما يحفز هذه المشاعر.
لذلك، تعاني العديد من النساء بصمت، على الرغم من وجود علاجات فعالة واستراتيجيات محكمة لإدارة هذه الحالة الصحية بكفاءة.
علاج الحالة وإدارتها
عند تأسيس خطة علاجية فعالة لمشكلة صعوبة التحكم بالمثانة، وتحديداً عند وجود مشكلتي سلس البول وفرط نشاط المثانة، يجب أخذ عدد من العوامل بعين الاعتبار. ويعتبر نوع سلس البول والطرق التي يؤثر بها على حياة المرأة من الاعتبارات الرئيسية التي يتعين الانتباه إليها، فضلاً عن نوع العلاج الأكثر راحة بالنسبة لها. وهناك ثلاثة أنواع رئيسية لعلاج سلس البول وهي: الأدوية، تغيير نمط الحياة، والجراحة.
ولذلك، يقوم الطبيب بمناقشة الخيارات الدوائية المناسبة للحالة، ويوصي بأفضل تغييرات ممكنة في أنماط الحياة، إذ تلاحظ بعض النساء تحسناً دون الحاجة لعلاجات إضافية.
ومن أكثر تغييرات أنماط الحياة كفاءة التي تساعد في تحسين سلسل البول، الحفاظ على وزن صحي، وممارسة تمارين كيجل بوتيرة منتظمة التي تساعد في تقوية عضلات الحوض، وتدريب المثانة لمحاولة زيادة الوقت بين كل دخول وآخر للحمام. والهدف من تدريب المثانة هو التدرب على تأخير التبول في كل مرة تشعر فيها السيدة بالحاجة لذلك عن طريق تعزيز قدرة المثانة على الاحتفاظ بالبول.
وإن لم تحقق الأدوية وتغييرات أنماط الحياة الأهداف المرجوّة منها، قد يوصي مقدم الرعاية الصحية بخيارات علاجية جراحية تتنوع بين حقنة بسيطة إلى الجراحة. فبعض الحقن قد تساعد في زيادة حجم بطانة مجرى البول في حالة سلس البول الإجهادي بينما يتم حقن البعض الآخر في المثانة للمساعدة على استرخاء العضلات، مما يساعد في علاج سلس البول الإلحاحي. ومن جانب آخر، تشتمل الخيارات الجراحية على إجراءات الرفع إذ يتم عادةً استخدام مادة اصطناعية أو شريط من أنسجة المرأة لدعم قناة مجرى البول. وهنالك خيار آخر عبر زرع أجهزة تعديل عصبي تحت المثانة لتحفيز عمل الأعصاب، بما يقود لتحسين القدرة على التحكم بالمثانة.
إن فرط نشاط المثانة، والمثانة العصبية، وسلسل البول هي مشاكل شائعة قد تكون آثارها كبيرة على حياة النساء. لذلك فإن فهم الأسباب وعوامل الخطر والأعراض هو أمر أساسي ليتمكن الطبيب من التدخل في وقت مبكر وتقديم خيارات فعالة لإدارة الحالة وعلاجها. وبالتالي، يوصي الأطباء بطلب المشورة الطبية وتبني التغييرات المناسبة في أنماط الحياة واستكشاف الخيارات العلاجية المتاحة لتتمكن المرأة المصابة من استعادة قدرتها على التحكم بالمثانة والتخلص من المعوقات النفسية والاجتماعية والبدنية التي تسببها مثل هذه المشاكل الصحية.