مدينة الآمال الأخيرة


رم -
لم أكن قط في مدينة غزة لا في أيام السلم و لا في أيام الحرب واعتقد أنك كذلك عزيزي القارئ لذا فنحن لا نعلم بشكل دقيق كم بقي من أهل غزة في الشمال و الوسط لكنا نرى -عن بعد- أن ما يزيد عن مليون فلسطيني تجمّع في مدينة رفح أو قل دُفع إليها قهرا، كم تحملت قلوبهم من قروح حين أخرجوا من ديارهم و تركوا جثامين أحبتهم للريح و الطير و الكلاب الضالة في الطريق إلى المدينة النهاية التي اجتمعت فيها كل الآمال بحثا عن ميتة أقل مأساوية ولا أقول حياة بعد أن حدث ما رأيناه يحدث للبشر والشجر و الحجر، حملت الأسر حطامها جنوبا يحدوها الأمل أن تجد لقمة واحدة يطعمون بها وحش الجوع و يسترون عريهم ولو "بكيس" بلاستيكي رقيق يطير باتجاه الريح كلما طارت، يدور حوله الأطفال حفاة ثم يلوذون به بيتا.
المنى الأخيرة التي ربما تتلاشى قريبا، فما تراه اليوم ربما لن يعود قائما غدا، تُدمّر البيوت وتختفي الطرقات و يتفرق من بقي من الناس وتفزع الريح إلى الخيام تشدها من كل ناحية كآنها كلاب مسعورة انفردت بجدي ضال، تهتز الأبدان خوفا وجوعا و يتما وتسير الأيام على وقع أنينهم .
ميدان الحصاد الأخير، يضيق على من فيه فلا تستطيع الخيل أن تركض في هذا الميدان ولا يستطيع الفارس أن يستدير أو يناور لاتقاء الحراب أو تلقيها، مسار مفروض فإما أن يكون الموت أو الصحراء أو البحر.
في الوقت الذي أصبح فيه المشهد في القطاع غريبا بشعا لا يحكمه خلق ولا قانون حرب تغير فيه وجه العالم وبدا كأنه واد في جهنم ، والحقيقة فتاة تمشي في الطرقات حاسرة الرأس أنهكها الجوع و الإعياء و العري .
هل نكتب رثاء للقطاع الذي قاوم الحصار سبع عشرة سنة و الحرب مئة و ثلاثين يوما أم نتريث قليلا؟ فما زالت البنادق تتحدث ولم تقل كلمتها الأخيرة !
لن نتحدث عن طائر العنقاء و خروجه حيا من رماده بعد أن يحترق فهو لم يمت بعد، لن نتحدث عن خرافات صنعتها شياطين اليأس، دعونا نفكر بالمنطق التاريخي ونتساءل كم سيدوم هذا الأمن الذي يصنعه حكماء إسرائيل في مجلس حربهم ؟ فقد خدعهم الهدوء وانقلب عليهم السحر بعد خمس و سبعين سنة من يمنع أن يحدث ذلك كل يوم؟
هذا والمعركة لم تنتهِ بعد والاحصاءات النهائية ما زالت غير معروفة، ومعادلة المواجهة بين الخصوم ليست معادلة رياضية بسيطة تستطيع معرفة نتائجها بسهولة ذلك لأن متغيراتها كثيرة ، ورغم أن غزة محاصرة فربما تتطاير الشرارات مع الريح و تمتد النيران فتشتعل الغابة والبحار المحيطة ولا تنسى تأثير الفراشة " The butterfly effect " فقد قيل أنه إذا هزت فراشة جناحيها في الصين فهذا قد يولد إعصارا في أمريكا أم أن للحرب نظريات أخرى تختلف عن قانون الفوضى؟
نؤمن أن الله لن يترك هذه الفئة لوحدها تقاتل و أن الربيع قريبا جدا و أن مدينة الأمنيات الأخيرة ستفتح أبوابها للفرح بإذن الله، فلنقل كما قال الرجال من قبل :"سيروا على ما قدر الله والكاتبه ربك يصير"!
سعيد ذياب سليم





عدد المشاهدات : (2155)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :