رم - د هايل ودعان الدعجة .
ان يلجأ الكيان الاسرائيلي الى الكنيست للتصويت على عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصورة غير معهودة وغير مسبوقة ، وهو الذي عرف عنه تحديه وعدم اكتراثه للمجتمع الدولي وتقويضه لفرص السلام وانتهاكه للقوانين والمواثيق والاعراف والقرارات الدولية والضرب بها عرض الحائط ، فهذا يعني ان هناك تطورات وتغيرات ووقائع جديدة فرضتها المقاومة الفلسطينية على الارض ، جعلت هذا الكيان المسخ يشعر ويقر بانها ليست في صالحه ، وان الامور قد تغيرت ولم تعد كالسابق عندما كانت تنطلي سرديات ماكنته الاعلامية المضللة والمغلوطة في طمس الحقائق وتحريف الواقع على العالم ، وتؤثر في الرأي العام العالمي وتسهم في كسب تعاطفه . فاذا بهذه الصورة المزيفة والمشوهة تتغير تغيرا جذريا بعد ١٠/٧ الماضي على وقع الجرائم الوحشية والبربرية والهمجية التي يرتكبها في غزة بحق المدنيين من الاطفال والنساء وكبار السن ، وتدمير البنية التحتية والمرافق المدنية من مستشفيات ومدارس وهدم البيوت السكنية على ساكنيها ، واستهداف المنظمات الدولية ، بطريقة ادت الى تراجع الدعم والتعاطف معه ، ليهدم كل ما بناه من زيف واكاذيب على مدى اكثر من ٧٥ عاما في احداث غزة ، نتيجة انكسار دعايته المضللة . وليتفاجأ بان اقرب الاطراف الدوليه له ، واكثرها دعما ومساندة وتعاطفا معه كالولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي ، تبدي استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية ، كحصيلة للتطورات التي رافقت طوفان الاقصى ، الذي عكس نضوجا في مواقفها من هذا الكيان المشوه ، بطريقة دفعتها لاعادة تفكيرها بملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، عندما ايقنت بان حل الدولتين هو افضل ضمان امني لاسرائيل ، التي اعتادت في وجودها وامنها عليها ، وان لا حلولا عسكرية ولا امنية لهذا الصراع ، الا بايجاد افق سياسي يفضي الى اقامة دولة فلسطينية وفقا لحل الدولتين .
صحيح ان الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في غزة ( والضفة الغربية ) كان باهظا جدا ، الا ان حصيلته كانت هذه النتيجة .. وهذا التطور والتغير في نظرة العالم الى ملف القضية الفلسطينية واعادته الى الواجهة العالمية وسياقه التاريخي والوقوف على اسبابه وتفاصيله بصورة جعلت الكيان الاسرائيلي يدخل في مواجهة مع المجتمع الدولي ، الذي اخذ يضغط عليه من كل الاتجاهات مطالبا بوقفه عند حده بعد تجاوزه لكل الحدود القانونية والانسانية والاخلاقية بارتكابه ابادة جماعية غير مسبوقة في تاريخ البشرية ، وبات كيانا منبوذا ومعزولا حتى من اقرب الدول التي اخذت تتبرأ منه وتبتعد عنه وتشهد تظاهرات احتجاجية شعبية مليونية ، مطالبة بوقف اطلاق النار وادخال المساعدات الى ابناء الشعب الفلسطيني الذي يموت قتلا او جوعا وحمايته ، ومنع التهجير القسري .
فاذا كان تصويت الكنيست الاسرائيلي بالاغلبية بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، قد جاء وسط اجواء ما تزال ساخنة ومشتعلة في غزة ، فان الامور مرشحة للتغيير والمراجعة واعادة النظر عندما تبرد هذه الاجواء ، وتزداد قناعة الكيان الاسرائيلي بان ثمن العناد وتجاهل المجتمع الدولي وتحديدا الدول الداعمة له سيكون باهظا .. وانه قد آن الاوان للتخلي عن عقلية القلعة والجدران العازلة ، والا فانه لن يبقي له حليفا ولا صديقا ، خاصة وهو يرى بان الولايات المتحدة باتت معزولة دبلوماسيا كما تجلى ذلك في الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن ، وانها تتعرض ايضا لموجة من الغضب والاحباط والاستياء الداخلية والدولية بسبب مواقفها الداعمة له ، وتشهد تحولا لافتا في رؤية الاجيال الصاعدة في اميركا تجاه القضية الفلسطينية لصالح الجانب الفلسطيني . حتى ان بريطانيا ابدت استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية دون انتظار اتفاق سلام نهائي .