رم - حسين الرواشدة
صحيح، تتعامل إدارات الدولة مع نوازل الواقع، واستحقاقات القادم، بعيون مفتوحة على ما يحدث، في العالم والمنطقة، من مخاضات وتحولات لم تكتمل بعد، كل الاحتمالات واردة، فيما الميزان مصلحة البلد والحفاظ على أمنه واستقراره، صحيح، أيضا، حركة الدبلوماسية الأردنية تحاول الضغط باتجاه نزع فتيل الحرب، ووضع حدّ لتداعياتها التي يمكن -لو استمرت وتوسعت - أن تطبق على «رقبة» المنطقة، وتعيد تفكيكها وتركيبها من جديد، لكن الصحيح الذي يجب أن نفهمه هو أن هذه الحرب تسير على «كتالوج» تم اعداده منذ زمن بعيد، وراء تنفيذه قوى كبرى، وان نهايتها ليست قريبة، والأهم أن بلدنا يقع في بؤرة الحدث الكبير، ولا بد أن يتعامل معه بمنتهى الحيطة والحذر، لكي ينجو من تداعياته بأقل ما يمكن من خسائر.
في سياق واجب أخذ «الحيطة والحذر»، أشير إلى أن استدارة الدولة إلى الداخل الأردني، وما جرى من محاولات للمّ الشمل الوطني، وتقوية الجبهة الداخلية، وتحريك عجلة أداء المؤسسات والمجتمع، تشكل عنوانا أساسيا لاستدارات أخرى، أهمها إعادة تعريف المصالح الأردنية وفقا لما فرضته الحرب من وقائع، وما كشفته من حقائق، ثم تغيير حسبة وجدوى العلاقات الأردنية مع الفاعلين الأساسيين في المنطقة والعالم، لا أقصد تغيير التحالفات التقليدية بكبسة زر، وإنما التدقيق بكل ما يصدر عن هؤلاء من وعود ونصائح وإشارات، وإخضاعها لمعادلة (الصح والخطأ)، زد على ذلك ضرورة النظر بعينين على استحقاقات ما بعد الحرب، عين على الوضع القائم وأدواته وروافعه، وعين على الوضع القادم والمرشحين للإمساك بزمام إداراته.
لا يحتمل المقال مزيدا من الاستطراد بالتفاصيل، لكن في إطار اخذ «الحيطة والحذر»، لابد أن نتعامل مع أطراف معادلة الحرب، سواء في واشنطن أو الغرب عموما، أو في العمق العربي، على قاعدة (حتى تثبت مصداقيته)، لقد جربنا في التسعينيات، مثلا، ما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو، كما جربنا ما فعلته واشنطن بعد حرب الخليج وفي صفقة القرن، وحين نُوسّع الفرجار اكبر، نجد على حلبة تنازع الأدوار في المنطقة أطرافا لا تضمر لنا «الخير «، وعليه فإن دروس التاريخ هذه يجب أن تلهمنا الانتباه والحذر، فليس كل من نسمعه صحيحا، ولا كل ما يُطرح أمامنا يخدم مصالحنا، او يندرج في باب النوايا الحسنة، حيث لا نوايا حسنة في السياسة، ولا رهانات إلا على ذكائنا السياسي، وما نملكه من أوراق وإمكانيات.
في التفاصيل، أيضا، الحذر واجب من أي «استفراد» يحاول البعض أن يفرضه على الشارع الأردني، بلدنا لا يحتمل مزيدا من التعبئة بأي اتجاه يصب خارج معادلة الحفاظ على قوة الدولة، وتماسك المجتمع، وبلدنا أصبح الحلقة الأخيرة في مسلسل «القواصم التي تستهدف العواصم»، ولا يجوز أن نترك لأي طرف، مهما كان، أن يفرض عليه أجندته، أو أن يحرفه عن مساره الصحيح، ولأن مناخات الحروب هي أفضل موسم لنشر الفوضى، والمتجارة بالشعارات والبطولات، فإن واجب استدعاء الجماعة الوطنية للقيام بدورها، ومصارحة الأردنيين بكل ما يحدث وما تفكر به الدولة، وتمكين الإدارات العامة من ضبط إيقاع الأحداث والنقاشات العامة على عنوان واحد وهو «المصالح الوطنية»، أصبح ضرورة لا يمكن تأجيلها، أو التسويف بتنفيذها.
في إطار واجب أخذ «الحيطة والحذر «، لابد أن يدرك الأردنيون أن بلدهم -وهو يواجه استحقاقات الحرب وما بعدها- يتعرض لضغوطات كبيرة، ويحيط به «سوار « من المكائد والدسائس، ويبدو وحيدا بلا ظهير أو سند إلا أبناؤه الحريصون عليه، وإذا كان من واجب الإدارات العامة أن تتحرك بأقصى ما لديها من فاعلية لحمايته والحفاظ على مصالحه، ثم استبصار مواطن أقدامها في أي عملية سياسية أو دبلوماسية تتعلق به، فإن من واجب الأردنيين جميعا، والطبقة السياسية والاقتصادية، تحديدا، أن تتعامل مع هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا بأعلى درجات المسؤولية الوطنية، وأن تتسامى عن حسابات المصالح الشخصية، والانتهازية السياسية، فالتاريخ لا يرحم، والأجيال لن تسامح.