رم - عصام قضماني
لماذا تتحمس الولايات المتحدة لمشروع الممر الاقتصادي الكبير الذي يربط آسيا بأوروبا عبر الشرق الأوسط وهي ليست جزءا منه ولا تستفيد منه؟
هذا هو السؤال الكبير الذي لم تفسره المبادرة الأميركية لطرح مثل هذا المشروع الذي تأجل الحديث عنه بسبب الحرب على غزة لكنها لم تنهه.
إن الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني وضمان تفوقها العسكري والاقتصادي والتقني في المنطقة ليس مرهونا فقط بالحالة الآنية، فلم يكن الغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة يمتاز بتخطيط محدود زمنيا ولا مكانيا، وهو ما يقودنا الى التذكير ببداية السنوات المئة الاولى التي تلت انتهاء عقود وعهود اتفاقيات وخطط السنوات المئة التي تلت الحرب العالمية الثانية وتوجت بحقبة الاستعمار ونهوض الولايات المتحدة كقوة عظمى وولادة اسرائيل.
إن حالة الاندماج الأميركي الإسرائيلي لا يسبقك لها مثيل كما نراها اليوم، هو اندماج كامل متلاصق في المستقبل والمصير الذي تضحي فيه الولايات المتحدة بسمعتها كداعية للديمقراطية وحقوق الانسان في مواجهة العالم بما فيه عدد لا باس فيه من اوروبا من أجل حماية إسرائيل ككيان ودور وفكرة ومشروع.
لا نغفل أن التنافس الصيني الأميركي كان سبباً في طرح المشروع الأميركي لربط الهند بالشرق الأوسط بأوروبا، لكن يجب أن لا نغفل أيضاً أن إسرائيل هي مركزه ومحوره كما تريد الولايات المتحدة، ويجب أن لا نغفل أن إسرائيل هي المحور الذي سيربط آسيا بأوروبا في هذا المشروع الذي سيمرر خدمات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والغاز والنفط وسيذيب الفوارق الثقافية والتاريخية والحضارية والدينية.
صحيح أن المشروع يأتي رداً مباشراً على المشروع الصيني «الحزام والطريق». ويعيد للأذهان الحرب الباردة. ولكن المشروع هو أيضاً يكفل دمج إسرائيل بالمنطقة بل وجعلها أساساً فيها لكن بأدوات اقتصادية.
لكن هذا المشروع لا يواجه فقط عقبات اقتصادية بل هو يواجه أيضاً عقبات سياسية تعيق شرط إدماج إسرائيل بالمنطقة، فبعد الحرب على غزة لن ينجح هذا الدمج إلا بقبول إسرائيل منح الشعب الفلسطيني دولة من غير المعروف شكلها ونوعها وسيادتها وحدودها، لكنه شرط ستدفع الولايات المتحدة إلى تحقيقه لتمرير المشروع وضمان أن تساهم في تمويله دول الشرق الأوسط الثرية.
المبادرة الأميركية تقوم على ربط الهند بدول الخليج العربي بحراً. ومنها إلى الأردن وإسرائيل عن طريق السكك الحديدية. ومنها بحراً إلى الاتحاد الأوروبي.
اسم المشروع «ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا» يعيد للهند دورها القديم في عام التجارة عندما كانت مستعمرة بريطانية، وهو أول مبادرة تعاون في مجال النقل تضم الهند والإمارات العربية المتحدة والسعودية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل.
ربما تكون الحرب على غزة وامتدادها أخرت قليلاً الإعلان عن أهم التفاصيل المتعلقة بالمشروع، لكنها لم تنهه، بانتظار نتائج الحرب في سحق كل أشكال العراقيل ومنها ما يهدد أكبر احتياطي للغاز في البحر الابيض المتوسط قبالة سواحل غزة.
كانت الولايات المتحدة الاميركية تتوقع انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية باقل من الوقت الذي استغرقته لكن هذا ما لم يحدث وهو ما يفسر تهبط وتناقض وحنق السياسة الاميركية فهذه الحرب هي عائق اخر امام هذا المشروع.
المشروع ليس أول المشاريع الأميركية التي لم تكتمل في المنطقة لكنه لن يكون آخر المحاولات.