رم - رجا طلب
يبدو أن الأمور وصلت ما بين الرئيس بايدن ونتنياهو إلى مرحلة المواجهة أو إلى حواف الانقلاب بعد أكثر من خمسة أشهر من الدعم اللامحدود من قبل البيت الأبيض للاحتلال في عدوانه على غزة وقتله ما يزيد عن 30 ألف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وهو انقلاب كان متوقعاً بحكم الخلفية السيئة من العلاقة بين الرجلين خلال حقبة الرئيس الأميركي الأسبق بارك أوباما الذي عاش فترة صعبة من التعامل مع نتنياهو اتسمت بالتجاهل بل بالازدراء وذلك لدى زيارة نتنياهو لواشنطن في آذار/مارس من عام 2015، لالقاء خطاب في الكونغرس حول إيران وبرنامجها النووي، حيث قرر وقتذاك عدم زيارة البيت الأبيض احتجاجاً على محاولات أوباما التوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن ذلك البرنامج.
هذه الخلفية التاريخية هي التي حكمت علاقة الرجلين، ولولا الحرب على غزة لبقيت حالة عدم الثقة والريبة تحكم الجو العام بينهما، بالإضافة إلى خلفية «العقيدة السياسية» لبايدن «كعقيدة صهيونية»، وذلك وفقاً لما قدم نفسه للجمهور الاميركي في مناسبات عديدة، هذان العاملان احدثا تغيراً نوعياً في موقف إدارة بايدن تجاه نتنياهو تمثل بالدعم العسكري والسياسي غير المسبوق لإسرائيل في حروبها مع العرب.
منذ الشهر الثاني للعدوان على غزة ومع تكشف حجم المجازر والإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال والتي مست بشكل مباشرة بصورة بايدن وإداراته وأخذت تؤثر عليه في الشارع الأميركي وتحديداً في أوساط الشباب الجامعي الذي ينتمي أغلبه للحزب الديمقراطي، حاول بايدن «عقلنة» الوحشية الإسرائيلية وتهذيبها لتبدو وكأنها واحدة من سمات الحروب العادية التي تقع في أي مكان في العالم، لكن حسابات نتنياهو ذات الأسقف العالية والقائمة على ثنائية (الانتقام المفرط والنصر الكامل)، حسب تعبيره أخذته نحو العمل بالمعادلة الصفرية في علاقته مع بايدن وبعدما اتضح أن أحدهما سيخسر موقعه بحكم التفاعلات الدراماتيكية للعدوان على غزة، وبعدما زود بايدن بتقديرات وكالة المخابرات المركزية الأميركية وجهود مديرها «وليم بيرنز»، والتي خلصت إلى الاستنتاج أن نتنياهو ذاهب في اتجاه التضحية بالرئيس بايدن ومصالحه الانتخابية وتجاهل حتى الحرج الأخلاقي والسياسي الذي أصاب سمعة الرئيس الأميركي والحزب الديمقراطي ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل على مستوى العالم كله، وكان التقدير أن هذا التجاهل المدروس من قبل نتنياهو هو أفضل وسيلة لضمان بقائه رئيساً لوزراء حكومة الاحتلال والمحافظة على تماسك ائتلافه اليميني «المكروه أميركياً»، وأقصد تحالفه مع حزبي القوة اليهودية وحزب الصهيونية الدينية.
أما أبرز محطات الخلاف فكانت على النحو التالي:
• تجاهل نتنياهو دعوة بايدن التخلص من تحالفه مع بن غافير وسموتيرش.
• تجاهل دعوات الإدارة الأميركية لجم قطعان المستوطنين وممارساتهم الإرهابية ضد القرى والمدن الفلسطينية ودعمهم بالسلاح.
• رفض نتنياهو زيادة حجم المساعدات الإغاثية والإنسانية وإيصال الأمور في القطاع حد المجاعة هذا علاوة على استثماره ورقة الرهائن كورقة للمناورة وإخضاعها لحساباته السياسية الخاصة.
• ساهمت مجزرة «الطحين» التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي، وأظهرت التعمد الفاضح لقوات الاحتلال في قتل المدنيين الجوعى في شمالي قطاع غزة، ساهمت في زيادة الخلاف بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي.
• قرار واشنطن تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر الجو بالتعاون مع الأردن حيث كان هذا القرار ورغم الحرج الذي سببه لواشنطن وإظهارها عاجزة عن فرض إدخال المساعدات براً، كان بمثابة رفع «الكرت الاصفر» بوجه نتنياهو.
• أما القرار المفصلي والخطير فكان دعوة بني غانتس لزيارة واشنطن وتلبيته لدعوة البيت الأبيض دون الرجوع والتشاور مع نتنياهو والذي أفقد هذا الأخير عقله واضطره للخروج للإعلام ليقول «أنا رئيس الوزراء وليس غانتس»، وتعد الخطوة الأميركية هذه هي بمثابة صفعة لها ما بعدها.
كل ما سبق يبقى في إطار الخلافات الناتجة عن تباين الحسابات والمصالح، ولكن إن لم يخرج الرئيس الأميركي أو وزير الخارجية بلينكن ليطلب علناً من نتنياهو وقف الحرب ستبقى كل الأمور المشار إليها في إطار الأزمة العابرة أو المسيطر عليها والتي قد تمنح نتنياهو مزيداً من القوة لدى جمهور اليمين المتطرف وخاصة الحريدي منه.