رم - د.منذر الحوارات
(هذه أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل) هذه الجملة لا تعود إلى أي من كارهي هذا الكيان بل تعود إلى رجل تمتد علاقة وِده مع إسرائيل إلى خمسة عقود سلفت، وهو الذي سارع بمد يد العون إلى هذا الكيان بكل أشكال الدعم ابتداءً بالعسكري حيث لا يكاد مطار بن غوريون يخلو ولو للحظة من قوافل المساعدات الأميركية من ذخائر وصواريخ ذكية وقطع غيار، بالإضافة إلى الدعم السياسي في مجلس الأمن وغيره ولا ننسى الدعم الاقتصادي والمالي، طبعاً المعني هنا ليس سوى الرئيس الأميركي جو بايدن والذي كما يظهر بات يبدي انزعاجاً واضحاً من تنمر نتنياهو عليه بشكل واضح في الفترة الأخيرة، ازداد وضوح هذا الخلاف بتصريحات زعيم الأغلبية الديمقراطي في مجلس الشيوخ وهو أعلى موقع تبوأه يهودي مساند بالمطلق لإسرائيل وهو تشاك شومر الذي دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل معتبراً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يجعل إسرائيل منبوذة.
اذاً هناك تراكم هرمي يبتدئ من الرئاسة ويمر بمجلس الشيوخ ينتقد إسرائيل، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تقريراً استخباراتياً أبدى فيه محللون استخباراتيون أميركيون تشكيكهم العلني في آفاق قيادة نتنياهو في تقييمهم السنوي للتهديدات والذي تسلمه الكونغرس، والذي يشير إلى اتساع قاعدة عدم الثقة في قدرة نتنياهو على الحكم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ما تزال إسرائيل تشكل رصيداً استراتيجياً للولايات المتحدة أم أن هذه أزمة عابرة تتعلق بالموقف من حكومة نتنياهو بالذات؟ وهل يستطيع بايدن أن يترجم موقفه من هذه الحكومة إلى قرار جاد مثلاً عقوبات تتعلق بوضع شروط على المساعدات العسكرية أو التراجع عن الحماية الدبلوماسية لإسرائيل؟ الجواب غالباً بالنفي لأن إدارة بايدن لو فعلت ذلك فإن المرشح الجمهوري دونالد ترامب سيستثمر ذلك على اعتبار أن بايدن يقوم بخطوات تهدد أمن إسرائيل وبالتالي يستفيد ترامب انتخابياً من هذا القرار لو حصل، بالذات بعد الخسائر التي مُني بها بايدن لمجموعات رئيسية من الأميركيين العرب والمسلمين والناخبين الشباب بسبب موقفه الداعم لإسرائيل، لذلك لجأ بايدن إلى الخيار الأمثل بالنسبة له وهو استراتيجية النأي بالنفس تدريجياً عن نتنياهو وهو لأجل ذلك سمح باستقبال بني غانتس في البيت الأبيض مؤخراً وتلك كانت رسالة لا تخطئها عين على ما يرمي إليه الرئيس بايدن.
ولكي لا يذهب الذهن بعيداً، فإن الخلاف بين بايدن ونتنياهو يتعلق بأمور تفصيلية وليست جوهرية إلا في واحدة حيث يرفض بايدن فكرة التهجير القسري للفلسطينيين، أما فيما عدا ذلك فهما متفقان على العداء لحماس والحرب ضدها ولا مانع لدى أي منهما من اجتياح رفح، لكن ما يطلبه بايدن يتعلق فقط ببعض الإجراءات التي تمنع حدوث مجزرة كبيرة تؤدي إلى تراجع كبير في سمعته، لذلك لا يعتبر الخلاف على إسرائيل وعلى دعمها بل الخلاف على الكيفية، وهذه الكيفية تزعج كلا الرجلين لذلك يتآمر كلاهما على الآخر لإسقاطه، بايدن يريد حكومة تتفق مع مصالحه وتنصاع لطلباته ونتنياهو يريد الدفع باتجاه تقدم حظوظ المرشح دونالد ترامب بأي وسيلة.
بالتالي فإن هذا الخلاف لايمكن أن يؤثر على قناعة الولايات المتحدة بأن الكيان الإسرائيلي هو حليف استراتيجي لها ولن تتخلى عن دعمه ولكنها ترى أن من حقها تصحيح مساره عندما ترى ان رئيس هذا الكيان يهدد مستقبل الدولة وذلك بعين المحب الحريص وليس بعين كاره أو مبغض، وهذا ما يفعله بايدن الآن فهو يرى أن نتنياهو بات خطراً على مستقبل إسرائيل بسبب تشبثه بمصالحه السياسية على حساب إسرائيل، لذلك يحاول تخليصها من هذا المأزق لأنه يعلم تمام العلم أنه في حال استمرّت هذه الحكومة فستصبح اسرائيل منبوذة دولياً وهو يكافح كي لا يحصل ذلك، ولا يمكن أن نغفل ان الإدارة الأميركية تريد ان تستعد لما هو قادم، فالجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين قد تؤدي إلى نتائج قانونية في المستقبل لذلك تعمل على إلصاقها بنتنياهو وليس بدولة الاحتلال، فالأخير يسهل إقصاءه وإلقاء اللوم عليه بينما إسرائيل ستدفع ثمناً مهماً فيما لو ألصقت بها التهم المسندة إليها، لذلك فإن بايدن والذي قال يوماً (ليس عليك أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، أنا صهيوني) يطبق الآن هذه المقولة حرفياً على ارض الواقع لأنه يدرك جيداً ان انزياح إسرائيل نحو اليمين والتطرف هو طريقها الأكيد إلى النهاية لذلك هو يحاول جاهداً إنقاذها وبالتالي إنقاذ نفسه.