عيد الأم .. هذا العام


رم - سناء مهيار

يأتي الواحد والعشرون من آذار كل عام لنحتفل بعيد الأم مع انطلاقة الربيع وبالتزامن مع ذكرى معركة الكرامة في بلادنا ، الذي اعتدنا الاحتفال به بكفاح الأمهات وتضحياتهن من أجل إسعاد أبنائهن وأسرهن، وبيوم الكرامة والعزة لجيشنا الأردني الباسل الذي قهر بعزيمته الجيش الإسرائيلي المعتدي على غورنا . وخصوصية هذا اليوم: عيد الأم وانطلاقة الربيع والكرامة ليست صدفة، إنما لها دلالة سامية وهي أن الأم هي صانعة رجال الكرامة وهي الحياة التي تعطي البهجة والعطاء في بلادنا الجميلة.

ويأتي آذار هذا العام، ويأتي معه عيد الأم والكرامة وفي القلب غصة وأسى لما يحدث في فلسطين وغزة، ويحمل معه مزيداً من آهات الأمهات الفلسطينيات والغزيات ورجفات فلذات الأكباد في ظل حرب غاشمة وجرائم إبادة جماعية، وبنفس الوقت نحمل مشاعر الفخر والانبهار ونحن نرى الأمهات هناك يسطرن كل يوم أصعب قصص الصمود ومعنى جديداً للحياة، ففي قمة الألم يجدن الأمل، وتستمد القوة من نبض قلوبهن.

ففي فلسطين لا تزال معاناة الأمهات من فقدان الزوج والأبناء سواء من خلال الاستشهاد أو الأسر، وصور الأحياء الغائبين أصحاب الحق والقضية تملأ البيوت، ويصبرن رغم محاولات الاحتلال كسر صمودهن. كما ارتقت الأم الفلسطينية شهيدة في كل مراحل المواجهة مع المحتل الصهيوني، وفيهذه الأيام يواجهن الإبعاد والاعتقال حتى مع أطفالهن.

خمسة عشر عاماً من الحصار على غزة وأهلها سبقت طوفان الأقصى والعدوان الصهيوني ، ومع ذلك لا تزال الأمهات نماذج استثنائية في الإيمان والصبر والتضحية وتطبيب الجراح، رغم التعذيب والانتهاك والتهجيرالقسري والقتل، وقد بلغت نسبة الشهداء من النساء والأطفال 70% من الشهداء.

الأم في غزة ليست ككل الأمهات، فهي تعيش آلاماً وأوجاعاً لا تحتمل ولا يمكن تخيلها، تختبر أبشع أنواع القهر والفقدان، فأمام عينيها يستشهد أبناؤها وتلملم أشلاءهم وتبتر أطرافهم. ومع ذلك تقاوم الموت بالولادة، وتضحي بروحها لتبقى أرضها ويسلم أبناؤها.

في أحد مشاهد أدوارها العظيمة؛ رأينا أماً غزية تحمي أبناءها بجسدها أثناء نزوحهم من الشمال إلى الجنوب مشياً على الأقدام، تحمل معها بعضاً من الاحتياجات وتحمل الأوجاع والأعباء. وفي مشهد آخر للقوة والإيمان، شاهدنا أماً غزية رغم الدماء التي تغطي وجهها ويديها، تكابر ناسية جراحها وآلامها وتحتضن طفلتها الخائفة وتهدئ من روعها وتطمئنها خلال فترة النزوح المرعبة.

تجاهل العالم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، غض الطرف عن خرق القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وفوق كل ذلك تمادى الطغيان وانتهج الاحتلال سياسة التجويع كسلاح ضد شعب صامد. وأكثر ضحايا التجويع هم الأطفال؛ وكم هو صعب على الأم أن ترى أطفالها يموتون تضوراً وجوعاً أمامها عاجزة عن إطعامهم وضمان بقائهم على قيد الحياة.

وكانت جلالة الملكة رانيا حاضرة وأول من خاطب العالم في الإعلام الغربي للتعبير عن معاناة الأم الفلسطينية عندما قالت: "أريد فقط أن أذكر العالم بأن الأمهات الفلسطينيات يحبون أطفالهن تماماً كما تحب أي أم أخرى أطفالها في العالم، وبالنسبة لهم أن يمروا بهذا فهو أمر لا يصدق".

ففي هذا اليوم ماذا تراها فاعلة؟ متحسرة على أطفالها وفراقهم؟ أم شاكية الجور الذي لحق بها وبعائلتها؟ أم ناعية عمراً سلب منها وحاماً لم يكتمل؟ أم مفترشة ذكرياتها على أنقاض منزل تم تدميره ونزحت منه هي وعائلتها، حتى صورة لعائلتها مجتمعة لم تعد تملكها؟

معاني الأمومة هناك مختلفة عن معانيها في كل العالم؛ فالأم الفلسطينية اليوم تجاهد لأن تبقي قلوب أطفالها نابضة، بكاؤها ونحيبها وصرخاتها تسمع الكون، وصورتها وهي تحتضن طفلها شهيداً أصعب صورة في الكون. فتحية للأمهات في فلسطين وغزة الصامدات المرابطات، واللواتي يحملن صلابة تكفي لتصنع جيلاً يؤمن بعدالة قضيته متسلحاً بالإيمان واليقين لمقاومة عدوه.

فكل عام وأنتن بخير... يا فخرالأمهات والنساء، صبركن زرع فينا الأمل والرجاء ....دمتن لنا فخراً وعزاً وبهاء....

كل عام والأمهات الأردنيات بألف خير...



عدد المشاهدات : (8586)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :