الدكتور ليث عبدالله القهيوي
في الحادي والعشرين من آذار 1968، خاض الجيش العربي الأردني معركة خالدة ضد القوات الإسرائيلية الغازية في منطقة الكرامة شرق نهر الأردن. كانت هذه المعركة بمثابة نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث حقق الجيش العربي أول انتصار عسكري على إسرائيل منذ نكبة عام 1948.
بدأت المعركة عندما شنت القوات الإسرائيلية هجوماً مفاجئاً على الأراضي الأردنية على أربعة محاور رئيسية، بهدف احتلال المرتفعات القريبة من العاصمة عمان وفرض شروط الاستسلام. لكن الجيش العربي الأردني كان له بالمرصاد، وقدم أروع صور البطولة في الدفاع عن حمى الوطن.
لقد أثبت الجنود الأردنيون إرادتهم القتالية العالية وحسن إدارة المعركة تحت قيادة الملك الراحل الحسين بن طلال، طيب الله ثراه. فبعد 16 ساعة من القتال المرير على طول الجبهة، اضطر العدو الإسرائيلي لطلب وقف إطلاق النار، لكن الملك الحسين رفض ذلك طالما أن هناك جندياً إسرائيلياً واحداً شرقي النهر. انسحبت القوات الإسرائيلية صاغرة من أرض المعركة، متكبدة خسائر فادحة بلغت نحو 250 قتيلاً و450 جريحاً، بالإضافة إلى تدمير عدد كبير من آلياتها ومعداتها. في المقابل، قدم الجيش العربي 86 شهيداً و108 جرحى، ثمناً غالياً للنصر والكرامة.
لقد كسرت معركة الكرامة أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، وأعادت الثقة للنفس العربية المنكسرة بعد هزيمة حزيران 1967. كما أثبتت أن النصر العسكري على جيش الاحتلال ليس مستحيلاً، وأن إرادة القتال والصمود أقوى من كل الأسلحة.
في خطابه بمناسبة الذكرى الأربعين للمعركة عام 2008، قال جلالة الملك عبدالله الثاني: "في هذا المكان، وقبل أربعين عاماً، قاتل النشامى الأردنيون بشرف للدفاع عن ثرى الأردن، وبالرغم من تفوق العدو في العدد والسلاح والإمكانات، تمكن أبناء هذا الجيش من تحقيق النصر الذي أذهل العدو، وأجبره على الاعتراف بالهزيمة لأول مرة في تاريخه".
إن معركة الكرامة ليست مجرد انتصار عسكري، بل هي رمز للكرامة والعزة الوطنية، وتجسيد للإرادة الصلبة والتضحية من أجل الدفاع عن الأرض والعرض. لقد أعادت هذه المعركة للأمة العربية كرامتها وهيبتها، وأثبتت أن الشعوب العربية قادرة على تحقيق النصر إذا توافرت الإرادة والقيادة الحكيمة.
في الذكرى السادسة والخمسين لهذه الملحمة البطولية، نحيي بكل فخر وإجلال أرواح شهداء الجيش العربي الأردني الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة في سبيل عزة الأمة وكرامتها. ونؤكد من جديد على التمسك بحقوقنا الوطنية المشروعة، والدفاع عن أرضنا وشعبنا بكل بسالة وشجاعة، متأسين بتضحيات أبطال الكرامة. إن معركة الكرامة ستظل شاهدة خالدة على بطولات جنود الأردن الأبرار، وستبقى محفورة في ذاكرة الأمة العربية كنموذج للصمود والتحدي في مواجهة الاحتلال والظلم. فهي لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل كانت استعادة للكرامة الوطنية والعزة العربية بعد سنوات من الهزائم والانكسارات.
لقد أثبت الجيش العربي الأردني في تلك المعركة أنه درع الأمة وحصنها المنيع، وأن شجاعة رجاله وقوة إرادتهم لا تضاهيها أية قوة. فقد تصدوا بكل بسالة للغزو الإسرائيلي، ودافعوا عن الأرض والعرض بروح الفداء والتضحية، محققين انتصاراً خالداً على قوات العدو الغاشم. ولا شك أن معركة الكرامة كانت بمثابة نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي حيث أعادت الأمل لشعوب المنطقة، وأثبتت أن الاحتلال ليس أبدياً، وأن النصر ممكن إذا توافرت الإرادة والعزيمة والقيادة الحكيمة. كما أن هذه المعركة عززت موقع الأردن كقلعة للمقاومة وحامية للقضية الفلسطينية العادلة. فقد كان الجيش الأردني هو الجيش الوحيد الذي لم ينسحب من فلسطين المحتلة في حرب 1967، وظل يدافع عن أرض فلسطين وشعبها حتى آخر رجل.
في هذا اليوم المجيد، نحيي بكل فخر واعتزاز تضحيات أبطال الكرامة الخالدين، ونستلهم من بطولاتهم العزيمة والإصرار على مواصلة النضال من أجل تحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني الشقيق. كما نؤكد من جديد على وحدة الصف العربي وضرورة تعزيز التضامن والتكاتف في مواجهة التحديات المشتركة، سائرين على درب الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عزة الأمة وكرامتها.
إن معركة الكرامة ستبقى شامخة في سجل المجد العربي، وستظل راية خفاقة تلهم الأجيال القادمة بقيم الوفاء والانتماء والتضحية في سبيل الحرية والكرامة. فالنصر حليف من يمتلك الإرادة القوية والعزيمة الصلبة، كما أثبتت لنا تلك المعركة الخالدة.
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |