رم - د هايل ودعان الدعجة
صحيح أن الكيان الإسرائيلي، لم يبال ولم يلتزم يوما بالشرعية الدولية وبالقرارات الأممية وميثاق الأمم المتحدة، التي اعتاد على تجاهلها واهمالها والضرب بها عرض الحائط، حتى باتت جزءا من سياسته ونهجه، لدرجة تكريسه ما يشبه سياسة الأمر الواقع في تعاطيه مع هكذا قرارات ومرجعيات دولية، جعلت العالم يعتاد وربما يتكيف معها، ويتعاطى معها وكأنها باتت مسألة عادية أو روتينية بالنسبة له، وهو يرى هذا الكيان المسخ لا يلتزم ولا يحترم ما يصدر من قرارات عن المنظمات الدولية في مقابل تطبيقها على أطراف أخرى، بصورة جعلت من الانتقائية والازدواجية سمة غالبة على أداء هذه المرجعيات الدولية.
ليستمر هذا الحال الى7/ 10 الماضي الذي شهد تنفيذ أكبر عملية هجومية تشنها المقاومة الفلسطينية على الكيان الإسرائيلي .. محدثة صدمة كبيرة في صفوفه، جعلته يفقد توازنه بطريقة قادته إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومجازر وإبادة جماعية على وقع هذه الصدمة التي أربكت حساباته، ليخوض حربا مجنونة ضد المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، ويهدم البيوت السكنية على ساكنيها ويسويها بالأرض، إضافة إلى استهدافه المرافق المدنية من مستشفيات ومدارس ودور عبادة وغيرها، افرزت موجة عالمية من الغضب والاستنكار، تم التعبير عنها بالتظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية المليونية التي شملت كافة دول العالم، متخذة شكل الضغوطات الشعبية على حكومات هذه الدول، التي وجدت نفسها مضطرة للاستجابة لهذه الضغوطات باتخاذها مواقف مشددة من الكيان الاسرائيلي المسخ، وبما يشبه الاجماع الدولي، بطريقة افقدته دعم وتعاطف الكثير منها، لتجعل منه كيانا منبوذا ومعزولا، جراء استمراره في تحدي المجتمع الدولي وعدم الامتثال لمطالبه ونداءاته بضرورة التوقف عن ارتكاب هذه المجازر التي لم تشهد البشرية مثيلا لها. ليجد نفسه وسط بيئة عالمية ضاغطة لم يعهدها من قبل . وهو ما تنبهت له الولايات وان متأخرا، عندما ايقنت ان استمرارها في مساندة هذا الكيان ودعمه بالاسلحة المتطورة وباستخدام الفيتو عدة مرات بما يمكن اعتباره بمثابة الضوء الأخضر لمواصلة الكيان المجرم لارتكاب الإبادة الجماعية، يجعل منها متواطئة وشريكا في هذه الإبادة، بصورة ستسهم في عزلها هي الأخرى، وتؤثر سلبيا في سمعتها ومكانتها وحتى على فرص نجاح الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما تعكس ذلك استطلاعات الرأي الأميركية المختلفة.
وبدا هناك ما يشبه التغير في الموقف الأميركي، إن بسبب الأعداد الكبيرة جدا في أعداد القتلة والمصابين الفلسطينيين التي بلغت عشرات الآلاف وتدمير المرافق المدنية، أو بسبب موضوع المساعدات الإنسانية الذي تضع إسرائيل في طريقه العديد من العراقيل والعقبات تماهيا مع سياسة التجويع التي تنتهجها ضد ابناء الشعب الفلسطيني في غزة، أو بسبب تمسكها بعملية رفح التي تحذر منها الإدارة الأميركية، والتي قد تقود إلى حدوث كارثة إنسانية مع وجود حوالي مليون ونصف مواطن فلسطيني في رفح. وقد بدأت معالم هذا التغير في كلام نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي لم تستبعد أن تكون هناك عواقب أميركية على إسرائيل في حال مضت في غزو رفح، باعتبارها ستكون خطأ فادحا. الأمر الذي أشار إليه وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن عندما ذكر بأن أي عملية عسكرية في رفح اثناء التفاوض ستكون لها تبعات على دعم واشنطن. وان مثل هذه العملية تزيد من عزلة إسرائيل وتعرض أمنها للخطر، إضافة إلى أنها تقوض المفاوضات وتهدد المصالح الأميركية في المنطقة. سبق ذلك الخلافات بين بايدن ونتنياهو بسبب عملية رفح أيضا.
كل هذه الأجواء وما رافقها من ضغوطات داخلية ودولية على الرئيس بايدن، دفعت بالولايات المتحدة الى التفكير بإعادة نهجها وخطابها في التعامل مع الكيان الإسرائيلي من خلال توجيهها رسالة واضحة له في هذا المجال عندما امتنعت عن التصويت لمشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، معطية الضوء الأخضر لتمريره. وان كان ذلك وسط حالة جدلية وربما خلافية، عندما اعتبرت هذا القرار غير ملزم. وربما ارادت بذلك منح الكيان الإسرائيلي فرصة الهرب من أي التزام بهذا القرار، استنادا إلى تاريخه في المراوغة وعدم الامتثال للقرارات الدولية، وفي الوقت نفسه تكون قد اوصلت رسالتها بما يشبه الدرس له بعد حالة التمرد التي وسمت تصرفات نتنياهو في تعامله معها. إضافة إلى انها بتمريرها القرار تسعى الى ارضاء المجتمع الدولي الذي يتهمها بالتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي الذي يرتكب الجرائم والمجازر والابادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين.
في المحصلة لا يمكننا تجاهل أثر الضغوطات الداخلية والدولية على الإدارة الأميركية، والدفع بها لاتخاذ هكذا خطوة منتظرة، ستجعل من الكيان الإسرائيلي يعيد حساباته هو الآخر إذا ما استمر في تحدي الإرادة الدولية وتجاهلها، وأنه قد آن الأوان بأن يدرك ان المنظومة الدولية محكومة بضوابط ومعايير وأدوات، تستطيع لجمه ووضعه عند حده.. وما حالة العزلة التي يعيشها الا الترجمة العملية لرد فعل المجتمع الدولي الرافض والغاضب من تصرفاته وجرائمه الوحشية والهمجية والبربرية التي تجاوزت الحدود، وان ما يصدر عن مجلس الأمن من قرارات لا بد أن احترامها وتطبيقها باعتبارها جزءا من القانون الدولي، وانها ملزمة لجميع الدول الاعضاء، تماهيا مع المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن تتعهد هذه الدول بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق. مما يضع هذا الكيان أمام احتمالية أن يخضع لعقوبات من قبل الدول الأعضاء على شكل قطع علاقات دبلوماسية وعقوبات اقتصادية وعدم تزويده بالاسلحة.