النمو الصعب!


رم - عصام قضماني

يرغب كثير من المحللين ربط النمو الاقتصادي بمعدلات البطالة، بمعنى أن زيادة النمو تعني إمكانية تخفيض البطالة والعكس صحيح، لكن معايير اخرى يجب أن تؤخذ بالاعتبار منها ربط النمو الاقتصادي بنمو المديونية وأيهما أسرع، أو ربط النمو بمعدلات الدخل لقياس كفاءة توزيع مكتسبات هذا النمو وهكذا.

كاتب هذا العمود يرغب بربط النمو الاقتصادي بنمو أو تناقص المديونية إذ كلما كان النمو أسرع تراجعت شهية الاقتراض، وبمعيار آخر كلما زاد النمو تناقصت المديونية كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي وهكذا.

والحالة هذه فأن المؤشرات تدل على أن نمو المديونية أسرع من النمو الاقتصادي، ما يعني أن المال المخصص لخدمتها فوائد واقساط يزداد وهو إنفاق يأتي على حساب نفقات تنموية وخدمية تسهم في دعم النمو الاقتصادي.

كلما كان النمو ضعيفا ضاقت قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل وهو ما يترجم نفسه في ارتفاع معدلات البطالة واعداد الباحثين عن فرص عمل.

والحالة هذه يحتاج الاقتصاد لأن ينمو بأكثر من النمو السكاني لاستيعاب حركة العمالة من جهة والطلب على الخدمات، التي يجب أن يواكبها إنفاق على تحسينها وهو في حالة ضعف إن ذهبت نسبة كبيرة من الإيرادات لأغراض خدمة المديونية، وفي نهاية المطاف إن العجز عن توفير المال ذاتياً يدفع إلى الاستدانة لتغطيته، وهو ما يحقق الاختلالات التي عنوانها نمو المديونية بأسرع من نمو الاقتصاد وهكذا.

في تقرير لصندوق النقد الذي يتخذ كمرجع باعتباره مشرفاً على برامج التصحيح الاقتصادي يقول ان وتيرة النمو الاقتصادي متواضعة وهي سنويا بين 2-3% وهي ليست كافية لإحداث تغيير ملموس في مستويات البطالة، التي تبلغ 22%.

وفي باب آخر يقول الصندوق أن إجمالي الدين وصل 111.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وانه سينخفض تدريجيا إلى 108.2% في العام 2028، ليصل باستثناء ديون الضمان الاجتماعي 88.7%، لينخفض إلى 78.6% في العام 2028.

التوقعات السابقة مرشحة لان يتم تعديلها طالما أن النمو الاقتصادي وهو اساس هذه التوقعات لا يحقق الهدف، بل انه اما ثابت او انه يتراجع في مقابل زيادة في المؤشرات الاخرى في بنود تشمل معيقات امام هذا النمو.

سنة ٢٠٢٤ في منتصفها الان ومؤشراتها للربع الأول لا تدل على أن سلسلة الاجراءات ومجمل الاداء ستقود إلى تحقيق التوقعات سواء تلك التي يبشر بها صندوق النقد أو الواردة في توقعات الموازنة.

مر وقت كان فيه معدل النمو السنوي يتراوح بين 6 إلى 8 ٪ بالأسعار الثابتة، وكان هذا هو الوضع غير عادي كما اتضح لاحقا ان ما هو عادي ان يكون معدل النمو الاقتصادي يتراوح بين 2% إلى 3% وقد اعتاد عليه الاقتصاد لا بل وضعت الخطط والبرامج والتوقعات على اساسه بينما بقيت التوقعات في المؤشرات الاخرى المضادة على حالها من دون كوابح.

ما لا يريد أحد أن يعترف به هو أن هبوط مستوى النمو يعود في الأساس لانخفاض أو جمود الإنتاجية، التي تعني زيادة الإنتاج فمعدل الإنتاجية الذي كان يتحسن بمعدل 2% سنوياً بسبب انتشار وسائل الاتصال، وإدخال الأساليب والبرامج الإلكترونية لم يعد يسير بذات الوتيرة زيادة عدد السكان في الأردن غير طبيعية، ليس فقط بسبب ارتفاع نسبة النمو الطبيعي، بل أيضاً بسبب تدفق اللاجئين والنازحين لدرجة وصلت بعدد السكان اليوم إلى عشرة أمثال ما كان عليه قبل نصف قرن.

الحكومة أعلنت عن خطط لحفز النمو الاقتصادي باعتباره أولوية، ولكن ذلك يواجه محددات كثيرة، فالمال غير متوفر، وهناك قيود على عجز الموازنة، وسقف المديونية، وغياب إمكانيات زيادة الإيرادات المحلية عن طريق ضرائب إضافية، فاتجهت إلى الإصلاح الإداري ومحاولات لتحسين إدارة الموارد المتاحة.

ربما لم يفت الوقت لاجراء مراجعة تشمل السياسات المالية بما فيها قوانين الضرائب، وإعادة النظر في وسائل جذب الاستثمار وهو البديل التقليدي للمديونية وربما لم يفت الوقت ايضاً لاجراء مراجعة تشمل وسائل وأدوات إدارة الاقتصاد.



عدد المشاهدات : (5113)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :