رم - عُرف عن "الآيس كريم" برودة أعصابه و امتلاكه السيطرة عليها وقدرته على الاسترخاء في أقسى الظروف فلا تكاد تمسك بقطعة منه إلا ويبدأ بالذوبان بتلقائية يتدفق على حواف القمع كالفرح حتى يصل إلى كفيك وربما يتجاوز ذلك.
يُستقبل بحفاوة ويتم تناوله وفق طقوس خاصة تتسم بالمرح سرعان ما ينشر البهجة في الحفل لا تسمع أثناء ذلك إلا تلمظ الأفواه وأصوات الشفاه إذا تحركت والألسن إذا طرقعت! ولا ترى إلا ابتسامات على الوجوه ونظرات هيام لا تغادر عبوة "الآيس كريم" إلى غيره!
هل للـ "آيس كريم" مناسبة خاصة؟ رغم أن تناوله يشكل بعض ظواهر الفرح إلا أننا لا نجده يوزع في صالات الأفراح مثلا!
فحفلات الزفاف تقليدية بتفاصيلها فنحن نرى الضيوف بملابسهم الرسمية والعروس ببدلتها البيضاء والحلي البراقة وقليلا من التوتر والكثير من الزهور فهي نفس العروس التي رأيناها في الحفلات السابقة ربما تشتمّ من محيطها رائحة "الفانيليا" و ترى لون "الشوكولا" لكن لا تجده يلطّخ بدلتها ، تهب بين الفينة والأخرى عبق عطر باريسي لا روائح شواء فلم يسبق لعروس أن جعلت في حفلتها وليمة "باربكيو"! ولا تراها ممسكة قمع "الآيس كريم" تقضم منه قُضُما رقيقة و دموعه تسيل على جوانبه لشدة ما في الجو من حرارة عاطفية! فإن ذلك يفسد كل شيء! ولا تسمح الظروف للعريس أن يُفسد بروتوكول الفرح لاعقا قمع "الآيس كريم" تاركا الحسان و شأنهن في ساحة الرقص! ولا حتى جمهور المشاركين في المناسبة -خاصة- اللواتي قمن بطقوس "ريجيم" جبارة حتى تبدو عليهن ملابسهن على درجة من الأناقة و الرشاقة تدور لها الرؤوس!
بالمقابل أعتقد أنه من الوقاحة التفكير في تناوله في مناسبات حزينة!
لذا أرى أن "الآيس كريم" لا يصلح لا في حفلات الفرح ولا في مجالس الترح !
كما أنك لا تراه يندرج كفقرة رئيسية في غداء عمل أيضا! فإن ذلك يتجاوز حدود الكياسة و الجدية ويوقعك في هوة السخف أن ترى مجموعة من رجال الأعمال -ونسائه- يناقشون المشاركة في إنشاء مصنع لدباغة الجلود -مثلا- وكل يمد لسانه يلعق جزءا من وجبته من "الآيس كريم" في الوقت الذي ينظر فيه إلى عيني الآخر لسبر غوره واختبار شخصيته!
لا تسألني عن الجلسات الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية وما فيها من مناورات وصفقات فأنت لا ترى في اللقاءات الصحفية أحدا من السياسيين يمد لسانه لاعقا ما علق بشفتيه من بقايا "الآيس كريم" ولا تراها أيضا وقد علقت بشاربيه أو سالت على ذقنه حتى و إن كان "مستر بين" Mister Bean " !
إذن تتمثل المشكلة في الحرج الناتج عن التقاء النظرات في الوقت الذي تتحرك فيه الألسن و الشفاه فلسان أحدهم إذا انطلق يبدو كالتمساح يداعب فريسته ولك أن تتصور ما تقوم به شفتاه! ويصدف أن تكون هذه الحركات مدرجة في قاموس لغة الجسد و دلالاتها وارتباطها بألوان من العاطفة و الأبعاد النفسية!
أشعر أن هناك ضرورة - إن لم تكن من أصدقاء الكوب و الملعقة -أن تتناول قمع "الآيس كريم" في صالة داخلية لا تطل على الرصيف وحبذا لو كانت زاوية ذات إضاءة خافتة تتماها فيها الحركات و تتيه النظرات واصطحب معك من تثق به ولا تخشى افتضاح أمرك في حضرته إذا تصرفت على سجيتك.
يبدو أنه أفضل الصحاب لتلك التجربة هم الأطفال والفتيات من أفراد أسرتك !
لذا فإن أسعد الأوقات أن يكون حولك فريق المغامرات الخاص بك من الأطفال واترك لهم مهمة التخطيط و التنفيذ لاختيار النكهات فهم أقدر مخلوقات الله على اكتشاف الفرح واقتناصه وهم على درجة رائعة من المعرفة والخبرة أنظر إليهم وهم يجمعون كرات "الأيس كريم" أمام نافذة العرض يختارون بين.. "دارك شوكولا" ، "فانيليا"، "سنيكرز"، "فروتي" وأسماء قادمة من عالم "ديزني" ويضعونها في مخاريط خاصة ويسكبون على ذلك "صوص سيرب" و أنت تنظر مذهولا مطبقا شفتيك تخاف أن ينساب من بينهما اللعاب.
أما إن تساءلت عن الأطفال على شاطئ غزة فهم يحلمون و يتساقطون كالعصافير بشفاه مشققة و عيون مطفأة وإبهام ذاب في فمه حالما بقطعة "آيس كريم" بنكهة الصبر وقاتله يضحك هازئا كالشيطان!
من أغرب الطرق الذي يتم فيها تناول حلوى "الآيس كريم" العرض الذي يقدمه أحد مطاعم نيويورك يسمى “Serendipity 3” “سيرينديبتي3“
حيث يقدم نوعا من "الآيس كريم" بمكونات نادرة من مناطق مختلفة من العالم تدخل فيها حبوب "الفانيليا" الطازجة من "تاهيتي" و "مدغشقر" و "الشوكولا" من "فينزويلا" وغيرها من المكونات مغطاة بفتات من الذهب من عيار k23 تتوجها ورقة ذهبية رقيقة من العيار نفسه وهو ذهب قابل للأكل لا طعم له، يقدم بكأس من الكريستال و ملعقة من الذهب -تستطيع الاحتفاظ بها- يسمى هذا العرض الآيس كريم الذهبي الفاخر"Golden Opulence Sundae”
ذكرها كتاب "غينيس" سنة 2007 كأغلى حلوى في العالم و بسعر 1000$ أمريكي، ستحتاج إلى تأشيرة الوليات المتحدة الأمريكية لتذوقها.. هل تمثل لك مشكلة؟
والآن عزيزي القارئ ، هات ما عندك . . قل لي ما هي النكهة التي تحبها؟ البطيخ، اللوز، الجوافة.. أم .. هل من أحد يحبها مع الفلفل؟ ومن غيرهم؟! وهل ستنطفئ النار يوما في أفواههم؟!
سعيد ذياب سليم