رم - مهدي مبارك عبد الله
خلال أول مناظرة متلفزة بينهما في إطار الانتخابات الرئاسية الأميركية بثتها شبكة سي أن أن الخميس الماضي في أتلانتا بولاية جورجيا دون جمهور وهي الاولى في التاريخ الامريكي بين رئيس مرشح في السلطة ورئيس سابق حيث تبادل ( بايدين وترامب ) الإهانات والشتائم والاتهامات وساد بينهما صراع الثيران وحوار الطرشان وصراخ الديكة وقد طلب الجمهوري ترامب من منافسه الديموقراطي بايدن ترك إسرائيل تكمل مهمتها العسكرية وعدم تحديد مستوى ردها في الحرب واتهمه بانه يرفض ذلك ويتصرف كفلسطيني كما زعم ان الإسرائيليين لا يحبونه لأنه اصبح عندهم بمثابة ( فلسطيني سيئ ) تأملوا كأنما ( اللص يتهم المحتال بالسرقة )
بداية نرفض كعرب ومسلمين جملة وتفصيلا كل ما ورد على لسان الرئيس السابق الاخرق ترامب ضمن مسرحية المناظرة سيئة الإعداد والإخراج وهو يبعث برسالة مشبوهة للناخب اليهودي يخلط فيها المفاهيم والقيم بوصفه لمنافسه بايدن بانه ( فلسطيني سيئ ) ونحن نرى بكل صدق ومسؤولية ان الفلسطيني أي كان يختلف كليا في معدنه الطاهر واصله النبيل عن الكائن الصهيوني الباهت بايدن وان أي فلسطيني سيئ ومهما بلغ سوئه هو اشرف وانبل وافضل منه ولديه مبادئ وقيم ووطنية وأخلاق وانسانية اكثر واكبر مما لدى بايدن المجرم المُحترف رئيس المشروع الصهيو - امريكي والراعي الرسمي لاستمرار الحرب على غزة والذي يوصف حتى بين انصاره بالمراوغ والكذاب والجبان وهو يتباهى بصهيونيته النتنة كدعاية خاسرة .
بالرجوع الى بعض وقائع التاريخ القريبة نجد أن رؤساء أميركا من كلينتون وبوش الابن وباراك أوباما الى ترامب جميعهم مارسوا بقذارة الافتراء والتدليس والتضليل على العالم الحر والشعوب المنكوبة لثلاثة عقود متتالية وهم يدعمون الدولة اليهودية العُنصرية في فِلسطين المحتلّة الا ان الرئيس بايدن الذي حضر الى تل ابيب هلع ومضطرب بعد ساعات قليلة من زلزال 7 اكتوبر ليحتضن نتنياهو وبقية قادة الكيان ويربت على ظهورهم ويطمئنهم بأنه معهم بالسلاح الضخم والمال الوفير وترويج السردية الصهيونية الفاجرة بقيام عناصر حركة حماس بقطع رؤوس الأطفال وحرق حثث القتلى واغتصاب النساء خلال عمليتهم
كما سعي بايدن وبشكل حثيث لإدانة كل ما فعلته المقاومة الفلسطينية فجر اليوم المشهود الذي سقط على رأس الاحتلال المسترخي في اكذوبة امنه المزيف كالصاعقة المزلزلة ما جعل بايدن وإدارته ينهمكون طوال الوقت في وصف واتهام المقاومة التي أذهلتهم قوتها وجراءتها بالإرهاب والعدوان والعنف والتهديد الوجودي لدولة اسرائيل الوادعة والمسالمة حسب زعمهم المكذوب ومنذ بداية الحرب على غزة اتخذ الرئيس بايدن موقفا مؤيدا لإسرائيل بشكل كامل ورفض الدعوة علنا إلى اي وقف لإطلاق النار ولم يمارس سوى بعض الضغوط الخجولة على نتنياهو وقائد جيشه والذين لم يقبلوها
في هذا الاطار لا يمكن ان ننسى ابدا بوم وصف الرئيس الاميركي بايدن نفسه باعتزاز كبير عند وصوله إلى مطار الكيان الصهيوني بعد غزوة طوفان الاقصى بأنه ( صهيوني ) وهو وصف صحيح وهذه هي حقيقة هويته الفكرية والأخلاقية والدينية الوحشية وهو لا زال يراهن على سحق المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية بضخ الأسلحة التدميرية الفتاكة لذبح المدنيين الابرياء بشكل ممنهج بعدما أسهم في تشويه صورة المقاومة وصمودها الاسطوري بتصريحاته غير اللائقة والكاذبة بشكل سافر حين ألحق بها أقبح الصفات والافعال كالقتل والاغتصاب والسرقة
حتى في وعده المهلهل بأحياء ( مشروع حل الدولتين ) ووضعه على طريق التفاوض كان بادين يكاذب كأسلافه بل أكثر منهم لأنه كان يرمي إلى إشعال الخلافات والصراعات وفرض الانقسامات وتأجيج نار المواجهات بين الفلسطينيين وقد غاب عن ذهنه بان وعي الشعب الفلسطيني لا زال يصر ويؤكد بان صفقة مشبوهة عقدت بين شارون وبوش الابن كانت وراء اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات والسؤال المهم في ظل تلك المؤامرات القديمة الجديدة هل كانت حماس هي التي تقود الشعب الفلسطيني آنذاك
أقل ما يمكن قوله امام ذلك وبعد كل تجارب الشعب الفلسطيني وبطولاته وتحمله وصبره على حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها ان أميركا هي العدو الرئيسي سواء كانت بزعامة بايدن الصهيوني أو غيره فالقادمون في المستقبل القريب والبعيد صهاينة ايضا ولن يكونوا إلا أعداء للشعب لفلسطيني والامة العربية فلا زلنا نتذكر قبل أسابيع قليلة اليد الأميركية وهي ترتفع بالفيتو رافضة منح الفلسطينيين دولة مستقلة رغم تصويت 143 دولة لصالحهم وهو ما يثبت ان أميركا هي والكيان الصهيوني مشروع استعماري كولونيالي واحد لتصفية القضية الفلسطينية ومعاداة الشعوب وحركات التحرر التي تنشد الثورة والاستقلال ولهذا يتندر الكثيرون بالقول انه اذا اصيبت إسرائيل بالزكام فان أميركا تؤازرها بالعطاس عن بعد
شهور قليلة تفصلنا عن معرفة الرئيس الأميركي القادم فأما أن يفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية ثانية أو يعود المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض مرة اخرى وابان ذلك يعيش المجرم نتنياهو حالة متقدمة جدا من القلق والترقّب وكل آماله أن يعود ترامب لسدة الرئاسة ورغم كل التوقعات المطروحة فهنالك ثمة ثوابت لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه إسرائيل لا يمكن لأي رئيس أميركي أن يحيد عنها تتمثل أولاً في ضمان التفوق الأمني والعسكري الإسرائيلي في المنطقة وثانياً قضية اللاعودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من فلسطين المحتلة عام 48 وثالثا مسألة عدم الاعتراف بحدود واضحة المعالم للدولة الفلسطينية المستقبلية ان وجدت اصلا
استطلاعات الراي الاخيرة اظهرت ان الرئيس الأميركي بايدن هو الأكثر تأييدًا لإسرائيل في حربها على غزة حيث اعلن صراحة موافقته على الهدف النهائي لإسرائيل المتمثل بإبادة الفلسطينيين في غزة ودعمه النشط للهدف الإسرائيلي غير المحدد المعالم بالقضاء على حركة حماس وهذا ما يؤكد بان إدارة بايدن ليست متواطئة فقط بل ومشاركة في الإبادة الجارية في غزة وما إبداه بايدن من القلق الكبير بشأن عدد القتلى المدنيين في غزة هو مجرد هراء وخطاب اعلامي لجمهور الداخل الانتخابي خاصة مع دعمه المستمر للحرب الإسرائيلية وتكرار القصف الإسرائيلي المدمر لغزة والذي لم يكن ممكن دون عشرات الآلاف من القنابل والذخائر الموجهة التي ارسلها بايدن لإسرائيل عبر أكثر من 110 رحلة نقل جوي لم يخطر الكونغرس إلا باثنتين منها فقط
اذا يمكننا القول بان هذه حرب بايدن الارهابية النازية على الشعب الفلسطيني الاعزل حيث لعب دور هام في حجب التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأونروا وايد اللجوء الى الأساليب المكلفة والخطيرة وغير العملية لنقل المساعدات إلى غزة والتي ساهمت في تجويع وموت الالاف من سكان القطاع عبر ( الإسقاط الجوي والميناء العائم ) والتي لا تتطلب إجبار إسرائيل على إنهاء حصارها وفتح المعابر البرية الأكثر جدوى والجميع في امريكا وخارجها يرددون بان ايدي الرئيس الأميركي بايدن واعضاء ادارته ملطخة بدماء ابناء غزة
تماما على عكس ما وصف ترامب تجد ان بايدن رئيس امريكي جيد لإسرائيل وهو ليس جيد فقط بل هو الأفضل في هذه المرحلة المفصلية ويشهد بذلك أغلبية القادة والجمهور الاسرائيلي ومعظم المراقبون يؤكدون ان نتنياهو كان متفاهم مسبقًا مع بايدن على كُل خطوة في مجريات الحرب على القطاع ولهذا تم رفده بالخبراء العسكريين والمرتزقة والمعلومات الاستخبارية والتقنية الدقيقة التي مكنته من تحرير الرهائن الاربعة في النصيرات واغتيال بعض القادة الميدانيين لحزب الله وحركة حماس كما دعمه بعدم المطالبة بوقف إطلاق النّار واعتباره حرب الإبادة الإسرائيلية دفاعا عن النفس كما رفض وقف صفقات الأسلحة عن اسرائيل طِوال اشهر الحرب بل كافئها بحوالي 26 مِليار دولار كمساعدات مالية اضافية لظروف الحرب على غزة
الحقيقة الراسخة التي يجب فهمها ان بايدن لا يختلف عن ترامب في انحيازه ودعمه المطلق للاحتلال الاسرائيلي وهما وجهان لأجرام وارهاب واحد رغم ان السياسة الأميركية في عهد إدارة ترامب قدمت قائمة ثمينة من الهدايا لحكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو آنذاك حيث تم صياغة خطة سلام امريكية صهيونية دون مساهمة فلسطينية كما استبعد ترامب الفلسطينيون من المفاوضات حول ما يسمى بالاتفاقيات الابراهيمية المشينة إلى جانب تحقيقه الهدف الإسرائيلي الاسمى بإحراز تقدم مع دول عربية في مجالات التطبيع المخزي
يضاف إلى كل ذلك اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة وتخليه عن الموقف الأميركي المستمر منذ عقود الذي يعتبر أن مستوطنات الضفة تشكل عائقا رئيسيا أمام السلام وإزالة القيود المفروضة منذ فترة طويلة على إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين فيها وايضا نقله السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس المحتلة وإغلاقه البعثة الأميركية لدى فلسطين في نفس المدينة ومعارضته الشديدة لإقامة دولة فلسطينية كجزء من أي تسوية بعد الحرب على غزة وهي المهمة التي يتولها جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وغير ذلك الكثير مما لا يتسع ذكره
اخيرا على بايدن الخرف وترامب المتصعلك ونتنياهو الارعن ومن لف لفهم أن يفهموا جيدا ان المقاومة الفلسطينية فكرة متجذرة وممارسة موثوقة وعقيدة راسخة وتعدد مشرف في الساحات والجبهات القتالية وشمولية في القواعد الشعبية وقد وصلت بإنجازاتها الميدانية وصمودها البطولي في وجه المجازر والتجويع إلى مرحلة فرض النصر بإذن الله والواقع يشهد بذلك ولعل الايام القادمة تحمل بذور النصر والفتح القريب عبر المعركة الكبرى المرتقبة في الشمال مع حزب الله لكسر هيبة الكيان الصهيوني الغاصب وتدمير قوته واجتثاث وجوده إلى غير رجعة
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
[email protected]