رم - في الانتخابات القادمة تتنافس قوائم المرشحين على نوعين من المقاعد النيابية، فهناك المقاعد الــ41 التي خصصها القانون للقوائم الحزبية وتحالفاتها، في حين يتبقى 97 مقعداً موزعة على الدوائر المحلية.
ومن المعلوم فإن عدد المقاعد المخصصة للأحزاب وتحالفاتها يفرض تغيير قواعد المعترك الانتخابي للأحزاب، بخاصة لأن نسبتها ستزداد في المجلسين التاليين بعد هذا المجلس القادم، ومن هنا، فإن هنالك فرصة يمكن استغلاها بالنظر لتغيّر قواعد الخارطة الانتخابيّة، ولقد جاءت هذه الفرصة لتستغل، ويجب استغلالها، لكن القانون يتيح النافذة فحسب، ولا يقرّر من يغتنم المقاعد.
ولئن سمح القانون بعقد التحالفات بين الأحزاب ضمن ائتلاف، تمتاز الفرصة أو النافذة المتاحة بكونها فرصة قابلة للاغتنام، لا على مستوى الحزب فحسب، بل وعلى مستوى التحالف، بما قد يسمح بتغيير المشهد الانتخابي والحزبي الأردني، لا بل والمشهد السياسي الوطني برمته.
* التحول من المعترك الحزبي إلى التحالفات في الانتخابات القادمة
عند قراءة القانون الجديد، وما تمخض عنه من أنظمة وتعليمات، بالإضافة لنظام تمويل الأحزاب وضبط قواعد العمل الحزبي والانتخابي، لا نلحظ تغيّراً جذريا في المشهد الحزبي، وحتى محض عدد هذه الأحزاب لم يختلف. ولقد اقتصر التغيير على بروز بضعة أحزاب جديدة عما ساد تقليدياً، لكن التغيير الذي حدث لا يرتقي لتغير نوعي جديد في البيئة الحزبيّة، ومن هنا، يمكن القول: بأن تغييراً استراتيجياً في مقاربة الانتخابات القادمة بات لازماً على المشاركين.
إن من شأن تغيير استراتيجية الأحزاب، على عمومها وتنوع توجهاتها، من التنافس الحزبي إلى التنافس بين التيارات أو الائتلافات والتحالفات تفتح آفاقاً واسعة أمام الحزب، والتحالف والناخب، والإقبال على الانتخابات عموماً، وهكذا سيناريو ممكن قانونياً، ويحمل نتائجاً ممكنة تتعدى في إيجابياتها ما يتوقعه الجميع.
ومن ناحية أخرى، وبدون هكذا انتقال نحو التحالفات القوية المتماسكة، فلعلنا سنكون أمام تكرار تجربة انتخابات 2013، حيث لن يتمكن أي حزب من تحقيق كتلة أو أغلبية برلمانية واضحة، وكأننا نعيد ارتكاب الخطأ ذاته، بل ونرجع للخلف بدلاً من السعي أماما.
* ثلاثة أسباب
أولاً: يقول أحدهم هذا حزبنا، لديه ما لديه من قواعد شعبية، فسنجتاز بأصواتهم العتبة وحدنا دون شراكات، وها هو نصرنا في الانتخابات قادم وأكيد، لكن الحقيقة أن عدداً قليلاً من الأحزاب سيجتاز العتبة، وهذه حقيقة لا لُبس فيها للدارس المتمعن في نسب المشاركة في الانتخابات عبر السنوات السابقة، وحتى عند محاكاة النتائج عبر إسقاط عدة سيناريوهات. فإن نتيجة التفرد الحزبي لن تكون سوى تشتت في المقاعد المخصصة للأحزاب، وهذه ستكون نتيجة سلبية على أي حزب، حيث يصل إلى المجلس ضعيفاً بلا كتلة ذات ثقل.
ثانياً: يقول آخر، إن حزبنا في حال التحالف سيخسر مقعداً هنا أو هناك بدلاً من كسبه، وهذا ليس بدقيق أيضاً، بل على العكس، فالتحالفات الانتخابية وحدها مفتاح النجاح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولقد أتاح القانون مجالاً لضبط التحالفات، وبذلك يمكن أن يصون التحالف تلك المقاعد التي يخشى حزب أن يخسرها. فترتيب المرشحين في قائمة التحالف لن يشكل خطراً على المرشحين، بل سيزيد في فرص النجاح ككل،
وللتوضيح، ففي ظل وجود التحالفات يقل عدد المرشحين إجمالاً، وهذا يعني توحيدا طبيعيا لجهود الناشطين والكوادر العاملة في الحملة الانتخابية. وبذا تقل المنافسة ما بين الأحزاب، وتتوحد مصادرها وكوادرها، فتتضاعف قدراتها التحشيدية عدة مرات، مركزة على عدد محدد من المرشحين في تحالف متسق، بدلاً من أن يتنافس الحزب على أصواتِ حزبٍ كان قد يكون حليفه ومكمله ومسنده في تجاوز العتبة.
ثالثاً: لا بد وقد لاحظ من ينوي خوض معترك الانتخابات القادمة، أن احتساب عدد مقاعد القائمة الحزبية لا يعتمد على مجمل أصوات المقترعين، بل يقتصر على احتساب نسبة الأصوات من مجمل أصوات من اجتازوا العتبة.وبالرياضيات البسيطة المباشرة لا بد أن يفهم ويدرك من ينوي خوض سباق الترشح بأن مقاعد من يجتاز العتبة سوف تتضاعف مرتين أو مرتين ونصف عن تلك النسبة التي حصل عليها من إجمالي المقترعين، كون عدد المقاعد يعتمد على مجموع أعداد أصوات القوائم التي اجتازت العتبة وليس إجمالي عدد المقترعين.
وعليه فإن المعادلة باتت: تحالف سوف تتضاعف فرصك ومقاعدك، خض المعركة وحدك ستذهب أصوات قائمتك هدراً، لا بل تسعف خصمك الذي اختار مسار التحالف.
* طبيعة التحالفات وحصادها الممكن
الأغلبية الصامتة
إن الأغلبية الصامتة، لا تتخذ موقفاً سياسياً محدداً، بل وتنأى عن الانتخابات، وتتحرك فقط بناءً على القضايا التي تمس المساحات السياسية اليومية في حياتها القابلة للتمايز والتباين فيما بينها وبين الطروحات الحزبية، في حين تتناغم المواقف الحزبية والشعبية مع القضايا العامة والتي تمسها انطلاقاً من مواقف وطنية أو عقائدية أو أيديولوجية أو قومية أو كلها مجتمعة، مثلاً كالموقف من الجرائم والإبادة في الأراضي المحتلة.
إن من ضمن الأسباب الرئيسية لعزوف الناخبين، كثرة المرشحين من ذات اللون السياسي، متنافسين على ذات المقعد، بشعارات فضفاضة تخلو من المعنى، ممجوجة بعيدة عن الواقع والواقعية، ومنفصمة عن البرنامج والكيفية، وهذا يشتت الأصوات ويقلل فرص فوز معظم المتنافسين.
* الصحة والتعليم والنقل والسكن والعمل
ما الذي سيميز بين الأحزاب الشتّى والتحالفات سوى الشأن السياسي اليومي المعاش؟
من هذا المنطلق، يمكن للتحالفات المنسجمة أن تطرح أمام الناس برامجها وأولوياتها، وخططها، فالتحالف القادر على طرح برامجه التي تلبي وتحاكي احتياجات الناس، هو التحالف الذي سيحقق اختراقات انتخابية كبيرة.
ولا بد هنا أن نشير أن البرامجية لا تنزع عن الأحزاب صبغتها الأيديولوجية أو العقائدية. لا بل العكس، فالأيدولوجيا في نهاية المطاف تطرح الرؤى السياسيّة على كل المستويات التي تمس حياة الناس. بل حريّ بنا أن نقول بأن تلك الأحزاب التي تدعي أو تظن بنفسها خالية من الدسم الأيديولوجي، إنما هي المؤدلجة، فلا تحاكي حياة الناس بالمجمل، بل بالقطعة، بلا بوصلة واضحة.
أي أن في البرامج سيكون انعكاس الحقيقة الأيديولوجية لمجموعة الأحزاب المتآلفة. وهنا يبرز التساؤل ما موقف كل منها من هموم الناس؟ ما خطتها للتأمين الصحي؟ أو برنامجها ورؤيتها في النقل العام؟ أو السكن أو سوق العمل والبطالة؟.
الأيديولوجيا موجودة دوماً وفي البرنامج تراها وتتقصى مواقفها من الأردن الذي تريده. فقط اسأل. اسأل الحزب أو التحالف عن مواقفهم من "الصحة، والتعليم، والنقل، والسكن، والعمل"، اسألهم عن الخطة لتحقيق هذا الموقف المعلن، وعندها ستظهر الأيديولوجيا مهما حاولت التخفي.
* إما التحالفات أو الفشل
في حال التحالفات، فإن الانضواء في تآلفاتٍ سيؤدي إلى الارتقاء بالحالة السياسية والحياة الحزبيّة في البلاد. ففي إطار القائمة العامة، سيكون الفرز واضحاً ماثلاً بين برامج المرشحين في الابتعاد عن الشعارات العامة الجوفاء ويكون التطور النوعي نحو البرامج المحكمة والانحيازات الاجتماعية والسياسية الواضحة.
مثلاً، شعار أو برنامج يسعى لتعزيز الاستثمار الأجنبي ومنحه الإعفاءات يدل بشكل واضح على انتماء هذه القائمة إلى جناح اليمين، في حين تكون الشراكة بين القطاعين العام والخاص دلالة على قائمة ببرنامج يقبع في الوسط، وكذلك الأمر في برامج التأمين الصحي الشامل والتعليم المجاني، فتدل هذه على برنامج اليسار، وبالطبع فإننا نعني هنا الشعارات المستندة إلى البرامج التفصيلية التي توضح كيفية التنفيذ.
وبالتالي فإن الناخب عندما يذهب، وسيذهب في هذه الحالة بناءً على تنامي البرامج الواقعية المحفزة للأغلبية الصامتة، فسيختار جناحاً من الأفكار، ومجموعة من البرامج، انحيازاً لوطنه، بما يمثل مصالحه وتطلعاته وقناعاته.
وهذا الشكل من التحالفات السياسيّة المطلبيّة المتباينة والواضحة، إنما يمثّل التصوّرالوحيد الممكن والعمليٍّ لتطوّر الحياة السياسيّة الأردنيّة بشكل سلميّ وحضاري وتدريجي وصحيّ.
* سن التقاعد مثال فرنسا 2024
في الأيام القليلة الماضية شاهدنا الانتخابات الفرنسية التي تنافس فيها عدد كبير من الأحزاب. إلا أنها كانت منضوية في ائتلافات انتخابية تشكّلت على أسس البرامج الانتخابية. ومن أبرزها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قضية رفع سن التقاعد. فلقد كان رفض رفع سن التقاعد من أبرز شعارات تحالف اليسار مقابل الحزب الحاكم السابق، حزب ماكرون، والذي قام بتمرير القانون بالتحالف مع اليمين.
وبالعودة إلى الحالة الأردنية من حيث قانون الضمان الاجتماعي، فقد تم تمرير جملة من التعديلات عليه في السنوات الماضية، كانت الأخيرة في غالبها على حساب العامل لصالح صاحب العمل. وهذا مثال بين يدينا في بلدنا، يتعارض مع برنامج اليسار، ولربما مصالح معظم شباب البلاد، وهو مثال على ما قد يشكل واحداً من نقاط برنامج انتخابي يبين اختلافه عن بقية تحالفات الأحزاب من اليمين أو الأحزاب التي تدعي خلوها من الدسم الأيدولوجي، والغنية بمصالح فئة بحد ذاتها.
* كيفيّة نحت التحالفات المتماسكة
وهنا لا بد من التطرق لكيفية نحت وتشكيل هذه التحالفات، بحيث تكون متماسكة، وواضحة المعالم الفكرية والمطلبية والحياتية أمام جمهور الناخبين.
أوّلاً: تماسك التحالف عبر التوسع الجماهيري
سيتماسك التحالف عبر التوسع خارجه. فلئن باتت القوائم على مستوى الوطن مغلقة، صار من المهم أن يعي الحزب في التحالف بأن الخطوة الأولى هي الخوض في المعترك الانتخابي نحو مجاميع جديدة، من النقابات إلى الجمعيات إلى ثلل السياسيين الصامتين، وكل أولئك ممن يلتزمون المنزل والصمت والسجائر يوم الاقتراع.
إن أيام التنافس على نفس المجموعة من الناخبين والداعمين ما بين الأحزاب المتقاربة قد ولت. أي أن حركة التحالف السياسي ما عادت تحتمل الشرذمة داخل المجاميع التقليدية المعتادة والمجترّة مراراً.
لقد صار المعترك سياسياً عاماً مفتوحاً بامتياز. يتماسك الحلف عبر طرق أبواب الناس، داخلاً من حاجاتهم، موسّعاً من قواعده الداعمة ولو لم تكن من المنتسبين. فشروط اللعبة السياسيّة، والخيار العقلاني الأمثل لمن ينوي النصر، هو الانتشار في الميدان العام والاشتباك العارم مع مجاميع لطالما كانت بمنأى عن العملية الانتخابيّة، لا بل والسياسيّة برمتها، وهي ذاتها التي ذكرناها في البداية.
ثانياً: التحالف كعملية ديموقراطية ما بين الأحزاب، وما بين الأجنحة في الأحزاب
مما سبق، يمكن اعتبار هذه الحركة الانتخابيّة التي يقوم بها التحالف شكلاً من أشكال الاقتراع الداخلي، تنخرط وتستجيب الجماهير لبعضٍ منها دوناً عن غيرها، ولبعض برامج التحالف دون سواها. أي أن التحالفات هذه باتت، أداة، مدخلاً، من خلالها تؤطّر التوجّهات ما بين الأحزاب المتحالفة.
وهذا يجبر اللاعب السياسي، أي الحزب في التحالف، على هجرة الغرف المغلقة ذات التوافق الأيديولوجي، والانفتاح على الرأي والهمّ اليومي المعاش من قبل الناس، بما يقود لتشذيب برامجه وأسلوبه في طرحه لأفكاره.
ثالثاً: ربط الانتخابات على مستوى الوطن مع الدائرة المحليّة
إن المقارعة الانتخابية في الدائرة العامّة لا تتنافى مع الخوض في التوافقات على مستوى الدائرة المحليّة، بل تعزّزها. فالتحالف على المستوى الوطني يعزّزه تواجد الحزب وأدائه على المستوى المحلي. وبالتالي تتعزز حظوظ التحالف من التفاهمات على المستوى المحليّ، وتتعزّز روابط الحزب المحليّة مع قواعده المحليّة بعد أن بات مسلحاً بالبرامج من حلفه الأكبر، فتتطور روابطه المحلّية من الانتماء للحزب إلى الدفاع عمّا يمثّله من مصالح الناس التي تمس حياتهم.
* النتاج الأبعد للقواعد الجديدة في ظل التحالفات الحزبية
إن الحزب الذي يسوقه المنطق الناتج عمّا سبق، وفي خوضه المعركة الانتخابيّة بالتحالف المتين من جمع النقاط أعلاه، سيرى حكماً؛ نتيجةً نوعيةً لا كمية في حصاده. فالفائدة المتأتاة لن تقتصر على تحصيل أصواتٍ جديدة، بل في الاحتكاكات الجماهيرية المكثّفة، وفي الاستقطاب وفي ضخ دماءٍ جديدة في صفوفه، كما وفي حصّته من المقاعد، وحصّة التحالف في الصورة الأعم.
وبذا، فإن كان المنطق سيّد الموقف (لا الأنا الحزبية ولا الأنا التنظيمية)، فإنه سيصبح من المنطقي جدّاً تجيير كل هذا القانون، وما تفرّخ عنه، لصالح حراكٍ شعبيّ جماهيريّ واسع النطاق، يصب في صالح الحزب، وفي صالح التحالف الذي ينتمي إليه فكراً، وتحت مظلّة القانون فيحميه عنوان التحديث السياسي المنشود والمنشد عنه.
* المسار السياسي لتقدم الحياة السياسية
إننا اليوم أمام فرصة حقيقية لتغيير مسار العمل السياسي برمته، عبر تدعيم برامجية واقعية تحقق رغبات ومطالب الأردنيين، وتسخير كل الطاقات لضمان عدم فوات هذه الفرصة، حيث إن البناء الفوقي النظري، من القانون سعياً للتغيير السياسيّ على الأرض، ليس حتماً أن يرى النور لعدّة أسباب لا متسّع للخوض فيها. والأهم، ليس حتماً أن ينتج عن التغير من الأعلى ما نوى. فهو في نهاية المطاف رهن بما يحتاجه من زخم شعبي لازم لتحقيق أي تقدم بأي اتجاه.
في المقابل، تنبع ضرورة البناء على الأرض. من القواعد الجماهيرية ومجاميع الناخبين تراكماً نحو البنية السياسيّة الأعلى. أي أن عمليّة نحت وتشكيل وتأطير التحالفات الانتخابية باتت اليوم خطوة ضروريّة، بل شرطاً، وهذا المسار السياسيّ المأمول لتقدم الحياة السياسية بشكل حضاري وسلمي وتدريجي.