رم - *بشار محمد البطوش*
*محامي ومستشار قانوني*
[email protected]إن تضارب المصالح، أو تعارض المصالح، أو تزاوج التجارة والإماره، أو كما وصفها البعض بزواج المحارم لشدة وطئتها؛ كلها مفاهيم تؤدي إلى حالة واقعية واحدة؛ تتمثل بالوضع الذي يمكّن شخص من تحقيق مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة، فكلا المصلحتين لا يمكن الموائمة بينهما، فالسلطة العامة هي عين الرقيب، والقائمة على إدارة مؤسسات الدولة والمال العام، بينما التجارة يمثلها القطاع الخاص، وتقوم على الربحية، فالأصل بأنه لا تداخل في العمل، والفصل بينهما واجب قطعاً للشك، وحتى لا تتحول أماكن العمل العام إلى حاضنات خصبة لرجال الأعمال، وهذا ما دفع العديد من الدول لإقرار تدابير متنوعة لمواجهة هذه الحالة، كونها من أبواب الفساد، بما يعزز النزاهة وسيادة القانون، والحوكمة الرشيدة.
لهذا، إعتبر قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016 فـسـاداً عدم الإفصاح عن إستثمارات أو منافع قد تودي إلى تعارض بالمصالح، إذا كانت التشريعات تستوجب ذلك، ومن شأنها تحقيق منفعة شخصية للممتنع عن الإفصاح، وعاقب على ذلك بالحبس مدة لا تقل عن 4 أشهر أو غرامة من 500 إلى 5000 دينار أو بكلتا العقوبتين، مع مراعاة أي عقوبة أشد وردت في أي تشريع آخر، وكل عقد أو منفعة تحصلت نتيجة فعل يشكل فساد، يكون قابلاً للإبطال، أو الفسخ من المحكمة المختصة.
لقد صدر قانون جديد لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالرقم 19 لسنة 2023، تضمن إلغاء قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص السابق رقم 17 لسنة 2020. وقد إحتوى القانون الجديد على مواضيع هامة، من ضمنها مفهوم تعارض المصالح، وفقاً للمادة 20 والتي تنص:
أ. يحظر على رئيس أو عضو اللجنة العليا (للشراكة) أو أي شخص يعمل في الوزارة (وزارة الإستثمار) أو في وحدة الإلتزامات المالية أو وحدة إدارة الإستثمارات الحكومية أو لدى الجهة الحكومية أو الجهة المتعاقدة أو في اللجان التي تشكل لتنفيذ مشروعات الشراكة بما في ذلك الموظفون والمستشارون والخبراء، أن يشترك في إتخاذ أي قرار يتعلق بأي مشروع شراكة تتحقق له أو لأزواجه أو لأقاربه حتى الدرجة الثانية فيها منفعة مباشرة أو غير مباشرة.
ب. على أي من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة (أ) من هذه المادة أن يبلغ الوزير (وزير الإستثمار) أو رئيس اللجنة العليا (للشراكة) قبل المباشرة بتنفيذ مرحلة طرح العطاء لمشروع الشراكة حول أي منفعة قد تتحقق لهم أو لأزواجهم أو لأقاربهم حتى الدرجة الثانية بشكل مباشر أو غير مباشر مقابل خدمات مقدمة لأي جهة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بمشروع الشراكة.
ج. على رئيس اللجنة العليا (للشراكة) أو الوزير (وزير الإستثمار) عند توافر الأسباب والظروف التي من شأنها التأثير في حيادية أي من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة (أ) من هذه المادة إعفاؤه من العمل في مشروع الشراكة المعني.
د. يحظر على أي شخص اطلع على أي معلومات تتعلق بمشروع شراكة ومصنفة بأنها سرية الإفصاح عنها بأي صورة كانت إلا للأغراض المبينة في القانون.
إن نص المادة 20 أعلاه، يشابه نص المادتين 17 و18 في قانون مشروعات الشراكـة السابق رقم 17 لسنة 2020، ولكنها أسقطت فقرة كانت واردة في المادة 17 من القانون السابق، وتنص:
(د. يستمـــر الحظـر المنصوص عليه في الفقرة (أ) من هذه المادة لمدة سنة من تاريخ إنتهاء العضوية أو ترك العمل).
فهل هذا العدول التشريعي في القانون الجديد عن التوجه الذي كان مطبقاً في القانون السابق يتفق والإلتزامات الدولية للمملكة الأردنية الهاشمية؟
بداية، إن الأسباب الموجبة التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان لإقرار مشروع قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2023، لم تتضمن تبريراً لإسقاط تلك الفقرة الحكمية.
لقد صادقت المملكة الأردنية الهاشمية على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 بموجب قانون التصديق رقم 28 لسنة 2004. حيث جاء بديباجة الإتفاقية: بأن الدول الأطراف وإقتناعاً منها بأن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضرراً بالغاً بالمؤسسات الديمقراطية والإقتصادات الوطنية وسيادة القانون ... .
وبينت المادة 1 بالإتفاقية بأن من أغراضها، تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون والممتلكات العمومية. وعرفت المادة 2 الموظف العام بأنه أي شخص يشغل منصباً تشريعياً أو تنفيذياً أو إدارياً أو قضائياً...سواء أكان معيناً أم منتخباً دائماً أم مؤقتاً مدفوع الأجر أم غير مدفوع...، وأي شخص آخر يؤدي وظيفة عمومية لصالح جهاز أو منشأة عمومية، أو يقدم خدمة عمومية حسب التعريف الوارد بالقانون الداخلي للدولة الطرف...وأي شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي بالقانون الداخلي للدولة الطرف.
وفي باب السياسة العقابية وتعزيز سيادة القانون؛ لم تعلق الإتفاقية الملاحقة الجزائية لمرتكب الجريمة على تحقق ضرر بأملاك الدولة، بل جعلته واجباً بوقوع الإنتهاك وفقاً للمادة 3/2 من الإتفاقية. وقد ألزمت المادة 12 منها الدول بإتخاذ تدابير تشريعية لمنع ضلوع القطاع الخاص بالفساد، وتعزيز معايير المحاسبة فيه...، وفرض عقوبات فعالة ومتناسبة ورادعة على عدم الإمتثال لهذه التدابير، ومنها:
• وضع معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص،... وتمنع تضارب المصالح، واستخدام الممارسات التجارية الحسنة بين المنشآت التجارية وفي العلاقات التعاقدية بينها والدولة.
• منع تضارب المصالح، بحيث يتم فرض قيود حسب الإقتضاء ولفترة زمنية معقولة على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية، أو على عمل الموظفين العموميين بالقطاع الخاص بعد إستقالتهم أو تقاعدهم، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون العموميون، أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم.
ووجهت الإتفاقية بالمادة 5 الدول لإجراء تقييم دوري للتشريعات الوطنية لتقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته. وأوجبت إعتماد نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح بتشريعاتها الوطنية وفقاً للمادة 7/4 بالإتفاقية، وأجازت إعتماد تدابير أكثر شدة من التدابير الواردة بالاتفاقية لمنع الفساد وفقاً للمادة 65.
وبالرجوع إلى التساؤل المطروح، فإن الفئات المشمولة بالحظر الواردة في المادة 20 من قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023، هم من الوزراء والموظفين العموميين، وأما المستشارون والخبراء، فقد قدموا خدمات لصالح جهات عامة معنية بمشاريع الشراكة، وبهذا، فهم مشمولين بمفهوم الموظف العام وفقاً للتعريف الوارد في المادة 1 بالإتفاقية الدولية.
وبتحليل المادة 12 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، يتبيّن بأنها أشارت إلى حالتين يمكن أن يترتب على تحقق أي منهما حدوث تضارب بالمصالح، عندما يكون لهما صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها موظفون عموميون، أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم، والحالتين هما:
1- ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية.
2- عمل الموظفين العموميين بالقطاع الخاص.
وذلك بعد إستقالتهم أو تقاعدهم، بحيث يتم فرض قيود لفترة زمنية معقولة لمواجهة ذلك.
إن تضارب المصالح في مشروع الشراكة يتمثل في عمل اللجنة الوزارية العليا للشراكة، واللجان العاملة على المشروع، سواء على النواحي المالية (التحليل المالي)، أو الفرق الفنية التي تقدم الفرضيات الأساسية للتحليل المالي، ودراسات الجدوى الإقتصادية والمالية للمشروع، وكذلك الفريق القانوني الذي يتابع كافة النواحي القانونية والتشريعية والإجرائية للمشروع، وكل هذه الفرق أو الأشخاص يكون لديهم إطلاع تام بخطة الفريق الحكومي للسير في المشروع حسب الاجراءات الموضوعة لذلك؛ بدء من تحديد المشروع، ودراسات الجدوى، وكذلك آلية طرح العطاءات، وصولاً لاختيار الفائز بالعطاء، والتفاوض معه، وإعداد إتفاقيات المشروع، وهنا يجب التشديد أن كافة المراحل أعلاه تتطلب وجود سرية لدى جميع العاملين على المشروع تجنباً لإعطاء معلومات تفضيلية بين المتقدمين للعطاء، وخاصة في مرحلة المفاوضات.
فالحكمة من وجود قيد زمني لمدة سنة مثلاً، أو لفترة معقولة كما تطلبت الإتفاقية الدولية ذلك، أن الشخص الذي كان بحكم عمله ضمن دورة حياة المشروع، في حال ترك العمل من موقعه، فإنه لا يستطيع القيام بعمل مهني شخصي، أو العمل مستشار للمشروع، أو لأي من الشركات المتقدمة للعطاء، أو العمل بشركات القطاع الخاص، بما له صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أو أشرف عليها أثناء عمله السابق في اللجان أو الجهات المعنية بالمشروع، وبمرور الفترة الزمنية، يكون المشروع قد إنتهت جميع مراحله وإجراءاته، وأنجزت كافة القرارات اللازمة له، وأصبح بمرحلة التنفيذ، فلم يعد من إمكانية تحقيق منافع، أو تضارب مصالح، أو حتى المشاركة بمصير أي مشروع شراكة. مع التنويه بأن لا يتم تسريب معلومات خاصة بالمشروع أثناء تنفيذه بهدف التمهيد للحصول على وظيفة بشركات القطاع الخاص المنفذة للمشروع.
وبالعودة إلى المادة 17/د من قانون مشروعات الشراكة السابق لسنة 2020، فقد فرضت تدبير لمنع تضارب المصالح يتمثل بـ (حظر المشاركة بأي قرار يخص مشروع شراكة تتحقق فيه لأي من الفئات المشمولة بالحظر أو لأزواجهم أو أقاربهم حتى الدرجة الثانية منفعة سواء مباشرة أو غير مباشرة)، مع ربط ذلك بفترة زمنية (د. يستمـــر الحظـر المنصوص عليه في الفقرة أ من هذه المادة لمدة سنة من تاريخ إنتهاء العضوية أو ترك العمل)، وهذا يتفق مع المادة 12 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
في حين أن المادة 20 في قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023، ورغم تبنيها لذات التدبير بحق الفئات الواردة فيها، لكنها أسقطت ما كان مطبقاً في المادة 17/د أعلاه، وهي الفترة الزمنية المرتبطة بذلك التدبير، البالغة سنة بعد إنتهاء علاقة تلك الفئات بالجهات التي علموا بها.
لهذا، فلا يوجد الآن ما يستدعي من الأشخاص الذين عملوا مع جهات حكومية أو لجان بمجال مشاريع الشراكة الإنتظار مدة معينة بعد إنتهاء عملهم منها، لمباشرة أنشطة مهنية مع تلك المشاريع، أو العمل بجهات خاصة كان لها تعامل مع الجهات المعنية بمشاريع الشراكة، خاصة إذا كانت بمرحلة الدراسة أو التقييم أو المفاوضات، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أو أشرفوا عليها أثناء عملهم السابق بتلك الجهات، أو حتى عودتهم للعمل مع الجهات العامة التي عملوا فيها سابقاً بروابط أو مسميات أخرى كعقود إستشارات، أو شراء خدمات، أو من خلال مشاريع ممولة، وهذا قد تكرر غير مرة، مع إمكانية الإفادة مما لديهم من معلومات غير معلنة؛ ما كانوا ليعلموا بها لولا مناصبهم السابقة بتلك الجهات.
فالواقع برهن قيام وزراء وموظفين سابقين من القطاع العام - بعد التقاعد أو إنتهاء عملهم - بالعودة للعمل الخاص سواء بشكل شخصي، أو بإنشاء كيانات خاصة بهم لممارسة أنشطة مهنية، أو بالعمل مع جهات في القطاع الخاص كان لها تعاملات وصلة مباشرة بالجهات العامة التي سبق وأن عملوا بها.
وهنا يبرز الحديث عن مدى التوفيق بين تلك التدابير، وحق الإنسان بالعمل بعد ترك القطاع العام؟
من الواجب إحترام رغبة الشخص بالعمل بعد إنتهاء علاقته بالقطاع العام، فحق العمل مكفول بالتشريعات الوطنية ومنها الدستور بالمادة 6/3 (تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها...)، وبالمادة 23/1 (العمل حق لجميع المواطنين...)، وبالعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لسنة 1966، الذي إنضمنت إليه المملكة عام 1975، ونشر بالجريدة الرسمية عدد 4764 تاريخ 15/6/2006، حيث نصت المادة 6/1 (تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره...)، وهنا نشير لضرورة عرض ما تبقى من إتفاقيات دولية صادقت عليها المملكة بمجال حقوق الإنسان على البرلمان لإقرارها وإنفاذها على المستوى الوطني وفقاً لأحكام الدستور، ومنها العهد الدولي المشار إليه آنفاً. (رغم أن الرد الرسمي الأردني بجلسة لجنة حقوق الإنسان بجنيف (11-29)-10-2010 تضمن:
1. إن دولة المملكة الأردنية الهاشمية ملتزمة بتطبيق العهدان الدوليان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
2. إن المعاهدات الدولية التي صادقت عليها حكومة المملكة الأردنية الهاشمية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التشريع الوطني وتسمو على القوانين المحلية النافذة، بدلالة المادة 24 من القانون المدني الأردني إذ نصّت هذه المادة على أنه (لا تسري أحكام المواد السابقة إذا وجد نص في قانون خاص أو في معاهدة دولية نافذة في المملكة الأردنية الهاشمية يتعارض معها).
فطالما أن المملكة صادقت على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004 بموجب قانون التصديق رقم 28 لسنة 2004، فإن الإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ومرت بكافة مراحلها الدستورية، لها الأولوية بالتطبيق، ويجب عكس مضمونها على التشريعات الوطنية وعدم مخالفة الأخيرة لها، وهذا ما أكدته محكمة التمييز الموقرة (...إن الاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدولة هي أعلى مرتبة من القوانين النافذة وأنها واجبة التطبيق ولو تعارضت نصوصها مع أحكام هذه القوانين... قرار رقم 677/1994 تاريخ 29/5/1994)، لهذا، يجب الموائمة بين كفالة حق الإنسان بالعمل وفقاً للتشريعات الوطنية، وبين المتطلبات الدولية الواردة على حالات معينة، ومنها منع تضارب المصالح، فهذا يظهر إحترام المملكة لإلتزاماتها أمام المجتمع الدولي.
بالنتيجة، يلاحظ بأن قانون مشروعات الشراكة الجديد رقم 19 لسنة 2023، وإن كان قد حقق إمتثالاً جزئياً بإقرار تدابير لمنع تعارض المصالح وردت في المادة 20/أ، لكنه لم يحقق إمتثالاً كاملاً بعد إلغاء (القيد الزمني) أي إستمرارية مدة الحظر البالغة سنة واحدة من تاريخ إنتهاء العضوية أو ترك العمل للأشخاص المشمولين بتلك التدابير، وهذا لا يتفق وإلتزامات الدولية للمملكة وفقاً لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافة الفساد لسنة 2004، مما يستدعي تدارك الأمر بأول مراجعة تشريعية لهذا القانون، والعودة إلى النص السابق بالمادة 17/د من قانون مشروعات الشراكة السابق لسنة 2020، أو لنص أكثر تشدداً.
وهنا يطرح تساؤل: هل إلغاء المادة 20 في قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023 للقيد الزمني الذي كان موجوداً في المادة 17 من قانون مشروعات الشراكة السابق لسنة 2020 (إستمرار مدة الحظـر لسنة من تاريخ إنتهاء العضوية أو ترك العمل)، كان مقصوداً لوجود بدائل تشريعية تفي بالغرض؟
للإجابة على ذلك يجب تصنيف الفئات المشمولة بالحظر، لنبحث إن كان هناك صكوك قانونية بكل منها تعالج ذلك التساؤل؟ فقد تضمنت المادة 20 من قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023 الفئات التالية:
1- رئيس وأعضاء اللجنة العليا (للشراكة)، وهؤلاء هم من فئة الوزراء.
2- أي شخص يعمل في الوزارة (وزارة الاستثمار)، أو في وحدة الإلتزامات المالية (في وزارة المالية)، أو وحدة إدارة الاستثمارات الحكومية (في وزارة التخطيط)، أو لدى الجهة الحكومية أو الجهة المتعاقدة (المعرفة بالمادة 2 من القانون)، وأي شخص يعمل في اللجان التي تشكل لتنفيذ مشروعات الشراكة. وهؤلاء هم من فئة الموظفين العموميين، بإستثناء موظفي البلديات، والشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة تزيد على 50%، ولكنهم بعتبروا بحكم الموظف العام وفقاً للمادة 2 بإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2004، وللغايات الواردة فيها.
3- المستشارون والخبراء، وهم من القطاع الخاص. (يعينوا وفقاً لشروط مرجعية تنافسية)
فيما يتعلق بفئة الوزراء:
وفقاً للمادة 6/أ من قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023، شكّل مجلس الوزراء من بين أعضائه لجنة تسمى (اللجنة العليا لمشروعات الشراكة)، ضمت في عضويتها وزراء كلاً من: الإستثمار، والمالية، والتخطيط والتعاون الدولي، والصناعة والتجارة والتموين، والدولة لشؤون رئاسة الوزراء.
بالرجوع إلى (ميثاق الشرف لقواعد السلوك والإفصاح عن تضارب المصالح لمجلس الوزراء)، الذي أقر عام 2018، فإن البند أولاً: الواجبات والمسؤوليات/3/ب:الشفافية والافصاح عن تضارب المصالح والعلاقات المهنية والتجارية السابقة/الفرع 11 ينص:
(على الوزيرالإمتناع - خلال مدة سنة من تاريخ تركه المنصب الوزاري - عن التعاقد مع الوزارة التي كان يتولاها أو أي دائرة من الدوائر أو المؤسسات التي كانت ترتبط به).
بتحليل النص، يتبيّن بأن الحظر الواردة فيه؛ وإن كان مقترناً بمدة معينة، لكنه جاء قاصراً على عدم تعاقد الوزير السابق مع ذات الوزارة أو الدوائر التي كانت مرتبطة به، في حين أن اللجنة العليا للشراكة التي كان عضواً فيها بحكم منصبه ليست دائرة أو مؤسسة، كذلك فإنها لا تتبع لوزارة معينة، إنما هي لجنة منبثقة عن قانون، وبهذا، فلا يوجد ما يحظر على الوزير من العودة للعمل بصفته مستشار أو خبير مع اللجنة العليا للشراكة؛ أو مع اللجان المشكلة لتنفيذ مشروعات الشراكة، أو حتى مستشار لمشروع شراكة طرح عطائه، أو معروض على اللجان المختصة، وبالنتيجة المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر بمصير مشروعات الشراكة.
كذلك، لا يوجد ما يمنع الوزير من العودة للعمل دون إنتظار مدة معينة مستشار لإحدى الشركات المشاركة بالعطاء المعروض على اللجان، وتوظيف علاقاته السابقة لتحقيق منفعة خاصة، والفوز به.
من جهة أخرى، فإن التدبير الوارد في الميثاق الوزاري؛ جاء حصراً لحالة تتعلق بشخص الوزير، ولا تنسحب على أزواجه أو أقاربه لأي درجة، ولا يمتد لما ورد بالمادة 20 في قانون مشروعات الشراكة الجديد لسنة 2023، أو يشكل بديلاً عن النص الذي كان وارد في قانون مشروعات الشراكة السابق لسنة 2020، إضافة أن هذه الحالة غير مشمولة بقانون محاكمة الوزراء رقم 35 لسنة 1952، مع الإشارة، إلى أن هذا الميثاق لم يرتب جزاء في حالة خرق الحظر الوارد فيه من قبل الوزير بعد ترك الوزارة.
فيما يتعلق بفئة الموظفين:
تشمل هذه الفئة؛ موظفي كلاً من: وزارة الإستثمار، ووحدة الإلتزامات المالية بوزارة المالية، ووحدة إدارة الاستثمارات الحكومية بوزارة التخطيط، والجهة الحكومية والجهة المتعاقدة صاحبة مشروع الشراكة، وأي موظف يعمل باللجان المشكلة لتنفيذ مشروعات الشراكة.
فقد فرضت المادة 9/ح من مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة لسنة 2013 على الموظف العام ما يلي:
(عدم قبول وظيفة، خلال سنة من تاريخ تركه للعمل، في أية مؤسسة كان لها تعاملات رسمية هامة مع الدائرة التي عمل بها إلا بموجب موافقة خطية من الوزير. كما لا يسمح له بعد ترك الوظيفة تقديم نصائح لعملاء هذه المؤسسات اعتماداً على معلومات غير متاحة للعامة فيما يتعلق ببرامج وسياسات الدائرة التي كان يعمل لديها).
يقتضي التنويه هنا، بأن هذا النص لا يسري على الوزراء بالسلطة التنفيذية، لأنهم لا يعتبروا موظفين عموميين بالمعنى المقصود بأنظمة الخدمة المدنية، ولا تعتبر هذه المدونة مكملة لما ورد في ميثاق الشرف الخاص بالوزراء، لعدم وجود إحالة بينهما فيما لم يرد بشأنه نص.
وبتحليل ما ورد في المادة 9/ح أعلاه، فقد فرضت تدابير محددة مقترنة بمدة زمنية معينة بعد ترك الموظف للعمل، ورغم فضيلة تلك التدابير؛ إلا أنه يرد عليها الملاحظات التالية:
1- إن عبارة (التعاملات الهامة) تفتح باب الإجتهاد والتحايل لتبرير العمل بأية مؤسسة دون موافقة الوزير، كون التعامل لم يكن هاماً بنظر الموظف، في ظل عدم وجود تشريع يصنف التعاملات بين الدوائر الحكومية ذاتها، أو بينها وبين القطاع الخاص، بالهام وغير الهام.
2- إمكانية التجاوز على منع العمل بالحصول على موافقة الوزير، وهنا تدخل المحسوبيات والمحاباة، ويغدو المنع بعدما كان بالتشريع، أصبح يخضع لمزاجية المسؤول.
3- إن منع الموظف من تقديم النصح لعملاء الجهات التي كان لها تعامل مع الدائرة التي عمل بها؛ يتطلب تصنيف المعلومات وفقاً لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات، وليست جميع الجهات العامة ملتزمة به، كذلك، فقد يفصح عن معلومات بحجة أنها لا تتعلق ببرامج وسياسات الدائرة.
4- لم يعالج النص حالة أخذ الموظف إجازة بدون راتب، فهل تعتبر بحكم ترك العمل؟ وهل يحق له العمل بمؤسسة خاصة كان لها تعامل مع دائرته؟ وكيفية التوفيق مع المادة 56/أ في نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام الجديد رقم 33 لسنة 2024 التي لم تضع أي قيود على مكان عمل الموظف خلال تلك الإجازة، وتنص (يجوز في حالات استثنائية ومبررة منح الموظف إجازة بدون راتب بناء على طلبه لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر في السنة الواحدة وبما لا يتجاوز اثني عشر شهرا طيلة مدة خدمته في القطاع العام)، بينما كان الأمر بالمادة 109 من نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020 (قبل التعديل وإلغاء هذه المادة) بالنص التالي (أ-...يجوز منح الموظف إجازة دون راتب وعلاوات بناءً على طلبه في أي من الحالات المبينة أدناه...3- للموظف الذي يقدم عقد ساري المفعول للعمل داخل المملكة في القطاع الخاص أو خارجها شريطة أن لا تقل مدة عمله في الخدمة المدنية عن سنتين متصلتين).
5- من باب المقارنة، فقد عالجت المادة 69/ح من نظام الخدمة المدنية المدنية رقم 9 لسنة 2020 (قبل التعديل) السماح للموظف الذي على رأس عمله بالعمل خارج أوقات العمل العام، واشترطت أن يتم ذلك العمل خارج أوقات الدوام الرسمي لدائرته، وأن لا ينشأ عنه إعاقة لأعمالها الرسمية، وأن لا يكون لدى الجهات التي لها علاقة أو مصلحة بعمل الدائرة. فالمشرع هنا كان أكثر تشدداً من المدونة بعدم التجاوز على هذه الشروط من خلال موافقة المسؤول، بينما أجاز ذلك بموافقة الوزير المعني في المادة 9/ح من المدونة. علماً بأن نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام الجديد رقم 33 لسنة 2024، قد حظر كلياً العمل خارج أوقات الدوام الرسمي في المادة 67/ي منه، وتضمن نظام الخدمة المدنية المعدل رقم 34 لسنة 2024 بأن على الموظفين الحاصلين على إذن بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي قبل نفاذ أحكام هذا النظام المعدل إنهاء ذلك العمل قبل 31/12/2024.
6- لم تتضمن المادة 9/ح من المدونة أي حظر على زوج الموظف أو أقاربه المباشرين.
كذلك، فالجزاءات المترتبة على مخالفة المدونة تتمثل بالمساءلة التأديبية وفقاً لنظام الخدمة المدنية سابقاً، ونظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام حالياً. ولكن كيف سيتم فرض جزاءات تأديبية على موظف خرق الحظر الوارد بالمادة 9/ح بالمدونة بعد تركه العمل؟ لهذا، فحتى الجزاءات كانت قاصرة. وبالنتيجة، فإن المدونة، وإن تضمنت تدابير مرتبطة بإطار زمني، إلا أنه ورد عليها ملاحظات هامة.
بالختام، وبعد إستعراض التدابير الواردة في ميثاق الشرف الخاص بالوزراء، ومدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، يتبيّن بأنهما وإن تضمنا تدابير محددة لحالات معينة مرتبطة بمدة زمنية، ولكنهما لا يشكلا بديلاً عما كان وارداً في المادة 17/د من قانون مشروعات الشراكة السابق رقم 17 لسنة 2020، ولا يشملا الحالات المحتملة وفقاً للمادة 20 من قانون مشروعات الشراكة الجديد رقم 19 لسنة 2023 مما يتطلب إجراء مراجعة تشريعية لهذا القانون، لتحقيق أكبر قدر ممكن من منع تضارب المصالح، وفقاً لما تم بيانه في المناقشات المتقدمة بهذه الورقة.