رم - في إطار مكافحة الأمراض الناتجة عن التدخين، تتخذ حكومات الدول العديد من الإجراءات التي تهدف للحد من هذه الأضرار الصحية وحماية المجتمعات والمواطنين، ورغم ذلك تتزايد معدلات التدخين في العديد من دول العالم، نتيجة تبنيها سياسات غير علمية.
وتعتبر بنجلاديش التي تعد إحدى الدول ذات الكثافة السكانية العالية، نموذجا لما تشهده العديد من دول العالم، حيث تشهد ارتفاعاً متواصلاً في عدد المدخنين، بما يترتب عليه زيادة معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين، وفي مقدمتها مرض السرطان، بجانب ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة عن التدخين.
وتشير الإحصاءات والتقارير، إلى وفاة نحو 126 ألف شخص سنوياً بسبب الأمراض المرتبطة بالتدخين التقليدي في بنجلاديش، وهو ما يمثل نحو 13.5% من إجمالي الوفيات في البلاد. بجانب العبء الاقتصادي الكبير الناتج عن تكاليف الرعاية الصحية المتعلقة بالأمراض المرتبطة بالتبغ والتي تمثل نحو 1.4% من إجمالي الناتج المحلي للدولة. حيث يعاني أكثر من 7 ملايين بالغ في بنجلاديش من الأمراض المرتبطة بالتدخين، بجانب تعرض 61 ألف طفل للأمراض الناتجة عن التدخين السلبي، وذلك وفقاً لنتائج البحث الذي أجرته جمعية السرطان في بنجلاديش عام 2019.
من جانبه قال الدكتور فازليي كيبيرا تشاودوري، استشاري الأمراض الصدرية وطب الجهاز التنفسي في مستشفى إيفركير في مدينة شيتاغونغ، أن مواجهة التدخين تتطلب نهجاً شاملاً وقائماً على العلم لإحكام السيطرة على الأضرار الصحية والوفيات الناتجة عنه. مشددا على ضرورة وضع استراتيجية دقيقة تتجاوز الاستراتيجية التقليدية للتصدي لتبعات تعقيدات الإدمان الذي قد يسببه استهلاك التبغ.
وفي ذات السياق، دعا تقرير حديث نشرته مجلة "لانست" الطبية الرائدة عالمياً، وأعده كل من روبرت بيجلهول، وروث بونيتا، وهما مسئولين سابقين بمنظمة الصحة العالمية، حول فعالية المنتجات البديلة في تحقيق نتائج إيجابية في مكافحة التدخين، إلى ضرورة تبني استراتيجية "الحد من المخاطر" باعتبارها محوراً مركزياً ضمن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، بجانب تدابير الحد من العرض والطلب، مؤكدين على أن هذه المنتجات الحديثة "منخفضة المخاطر" قد أحدثت تحولاً كبيراً في المعركة الراهنة لتقليل معدلات الوفيات المرتبطة بالتدخين، كما ساعدت على الإقلاع عن استهلاك منتجات التبغ التقليدية.
وحققت استراتيجية "الحد من المخاطر" باستخدام منتجات التبغ البديلة، نتائج إيجابية في العديد من دول العالم، ومنها السويد، النرويج، والمملكة المتحدة، ونيوزيلندا، واليابان، حيث شهدت كل منها تراجعا قياسيا في أعداد المدخنين، بفضل قدرة المدخنين البالغين على الوصول لبدائل قد تكون منخفضة المخاطر عن السجائر التقليدية.
وعلى صعيد متصل، فإن منتجات التبغ لا تتشابه في خصائصها أو سماتها أو تبعات استهلاكها، مما يؤكد على ضرورة التمييز بين أنواع منتجات التدخين البديلة المتنوعة على مستوى المشرعين والمستهلكين على حد سواء، وذلك للتمكن من سن السياسات التشريعية والتنظيمية والرقابية الملائمة، بما يتماشى مع معدلات المخاطر المرتبطة بكل منها، علماً بأن الخلط بين هذه المنتجات يعتبر من أسباب البطء الحاصل في إدخال آليات مراقبة مناسبة وفعالة، حيث تصنف السجائر التقليدية على أنها "الأكثر سمية"، بسبب اعتمادها على الاحتراق التي ينتج عنه العديد من المركبات الكيميائية الضارة التي تسبب العديد من الأمراض، بينما تنتمي المنتجات التي تعمل على تسخين التبغ بدلاً من حرقه، والسجائر الإلكترونية إلى مجموعة المنتجات البديلة الخالية من الدخان مع مستويات أقل من المواد الضارة بالمقارنة مع المنتجات التقليدية.
ويكمن الفارق الأكبر بين هاتين الفئتين، حول مركبات كل منها؛ إذ تعتمد السجائر الإلكترونية على سائل يحتوي على النيكوتين، بينما منتجات التبغ المسخن تعتمد على تسخين التبغ بدلا من حرقه مما يجعلها أقل ضررا بسبب إقصاء عملية الحرق.
وفيما ورد عن منظمة الصحة العالمية، فإن منتجات السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن، تحتوي على النيكوتين الذي ثبتت عدم مسؤوليته عن الأمراض المرتبطة بالتدخين، وإن كان قد يؤدي للإدمان، لكنها تختلف عن بعضها في التركيبة؛ حيث أن منتجات التبغ المسخن تتألف من لفائف تبغ قصيرة الطول وتنتج هباء جوياً يحتوي على النيكوتين بنسبة أقل من السجائر التقليدية، أما السجائر الإلكترونية فتتكون من محاليل الزيوت العطرية مع حوالي 15500 نكهة مستخدمة، الكثير منها سامة، وتسفر عن آثار صحية، كما يمكن أن تسبب حريقاً وانفجاراً، فضلاً عن إمكانية أن تختلط بمواد أخرى ضمن المحاليل. وعلى الرغم من أنها ليست خالية من المخاطر تماماً، إلا أن الأبحاث العلمية المكثفة تشير إلى أنها منخفضة المخاطر بنسبة 90% عن منتجات التبغ التقليدية.
وأكد الخبراء على أن الخيار الأمثل دائما هو الإقلاع، وبالرغم من الفروق بين فئتي المنتجات البديلة والسجائر التقليدية، إلا أنه لا يزال من الضروري مكافحة التبغ بين أوساط الشباب، مطالبين بضرورة الالتزام باللوائح فيما يتعلق بالمنتجات البديلة، الأمر الذي يعد بالغ الأهمية، والذي يستدعي أيضاً ضمان عدم تسويق أي منتجات لغير المدخنين، خاصة الشباب، مع الالتزام بتطبيق تدابير السلامة الصارمة، وسياسات مكافحة التبغ على أن تظل متسمة بالشمولية. مؤكدين على أنه من خلال الاعتماد على النهج العلمي، وتبنى سياسة الحد من المخاطر المبتكرة، إلى جانب الالتزام بالتدابير التقليدية لمكافحة التبغ، فإنه يمكن لبنجلاديش الانضمام إلى الكفاح العالمي ضد الأمراض غير السارية المرتبطة بالتدخين والسرطان.
ونوه الخبراء في تقريرهم، إلى أن إحصائيات العام 2019، كشفت عن وفاة 4.7 مليون حالة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بسبب التدخين، مطالبين بضرورة اتخاذ إجراءات فورية للحد من هذه المخاطر، بجانب ضرورة تحديث الاستراتيجيات باستمرار؛ وذلك لسد الفجوات المعرفية الحالية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي أحرزت فيه بعض الدول تقدماً كبيرا في مكافحة التدخين، فإن العديد من الدول الأخرى لا تزال تعاني من تفاقم الأزمة رغم انضمامها إلى منظمة الصحة العالمية، مثل تايلند، والهند، اللتين يكمن جوهر المشكلة فيهما في إدراك وفهم التحدي الحقيقي المتمثل باستهلاك السجائر التقليدية، وهو ما يستلزم التركيز على تغيير هذا السلوك، بدلاً من اتباع النهج الشامل لجميع أشكال استهلاك التبغ، كما يفرض على صناع السياسات توخي الحذر في هذا الصدد، حتى لا يتم المساهمة عن غير قصد في زيادة وتصاعد آفة التدخين.
ويختتم الدكتور فازليي كيبيرا تشاودوري، حديثه قائلاً: "يجب أن ندعو إلى اتباع نهج قائم على العلم وعدم اتباع السياسات التقليدية. مؤكدا أن القضاء على استهلاك السجائر القابلة للاحتراق بحلول عام 2035 هو هدف قابل للتحقيق، شريطة أن يظهر صانعو السياسات الشجاعة لتبني حلول مبتكرة، في الوقت الذي يظل فيه الإقلاع الفوري عن التدخين للمدخنين وعدم الانخراط بالتدخين من الأساس لغير المدخنين هو الخيار الأفضل على الإطلاق."
أما في حال عدم الرغبة في الإقلاع عن التدخين، فإن المنتجات البديلة منخفضة المخاطر، يمكن لها أن تتيح لهم الفرصة نحو حياة أكثر صحة.