رم - حسين الرواشدة
ما كان يدور، همساً، داخل صالونات المحاصصات السياسية، على امتداد الأشهر المنصرفة، خرج، الآن، للعلن، وهكذا انكشف المستور، مطلوب من الدولة الأردنية أن ترضخ لصفقة القرن، وتباشر من خلال قرار قمة عربية عاجلة إجراءات استعادة ما تبقى من الضفة الغربية، لإقامة كونفيدرالية مع السلطة الفلسطينية، على أن يكون لكل جزء منهما ( الأردن وفلسطين: تصوّر) إدارة محلية وإدارة دولية، ثم يعودان إلى اتفاق 1950 في تقسيم المناصب الفيدرالية، مقابل ذلك سيقدم المجتمع الدولي من 150-200 مليار دولار كتعويضات للدولة الكونفيدرالية من اجل إعمار الضفة وغزة (يا سلام!)
ما ذكرته، سلفا، ليس من عندي، وإنما جزء من مقالة نشرها، قبل أيام، أحد كبار المسؤولين السابقين في بلدنا، وهي تعكس حالة من التفكير والتحريض( لكي لا أقول التزوير ) الذي يمارسه تيار سياسي يتبنى فكرة شطب القضية الفلسطينية وحلها على حساب الأردن ؛ الفكرة ليست جديدة، فهي نسخة مطابقة تماما لمخططات الاحتلال الصهيوني، وباركها وأيدها بعض المحسوبين على « أوسلو»، ثم أصبحت جزءا أصيلا من صفقة القرن التي اعلن عنها ترامب (2018 )، ورفضها الأردن جملة وتفصيلا، وما زال.
ما ذكره المسؤول الكبير، ايضاً، يعكس مسارا مدروسا، ضمن مسارات متعددة، شهدنا تطبيقاتها وخطاباتها منذ بدأت الحرب على غزة، حيث توزع أقطابها ودعاتها واطرافها بين من تقمص حالة الحرب للتشكيك بالمواقف الأردنية والمزاودة عليها، ومن تولى مهمة تعبئة الشارع والتخويف من قدوم ترامب ومن الثمن الذي سندفعه إذا لم ننخرط في جبهة المقاومة، ومن فتش عن غنائم ومحاصصات سياسية، ثم انتهت هذه المسارات إلى تهديد أمني وسياسي مباشر من بعض الأطراف ضد بلدنا، فيما النتيجة المطلوبة (كما نسمع ونرى الآن ) التضحية بالأردن وفلسطين، تحت عناوين : تزوير التاريخ وتزيين المستقبل لتمرير مشاريع الضم والخيار الأردني وتسمين المملكة، والمليارات القادمة، مقابل ماذا ؟ طبعا التنازل عن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق العودة، والهوية الوطنية لكل الشعبين، بمعنى تصدير أزمة الكيان المحتل ( الأمن والسكان) وحلها على حساب الأردنيين والفلسطينيين معا.
»طبخة « الكونفيدرالية التي أتوقع أن تستقطب الكثيرين من أمثال المسؤول السابق للترويج لها، تثير في هذا التوقيت الريبة والشك، لكنها، ايضا، تستدعي التذكير بموقف الأردن الذي عبر عنهم مرارا وتكرارا : « لا حديث عن كونفدرالية أو فيدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية «، وأضيف ( من عندي) ولا حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية بشكلها الذي يتم الترويج له، الأسباب هنا أكثر من أن تحصى، يكفي أن الواقع الذي انتهت إليه القضية الفلسطينية، بكل اطرافها وتداعياتها وتفاصيلها، يجعل من مجرد إمكانية طرح مثل هذه الحلول، على حساب الأردن، تهديدا لوجوده وأمنه واستقراره، كما أن كلفتها السياسية والاجتماعية، والأمنية والاقتصادية، أكبر مما نحتمل، مثلما أن ردود الأردنيين عليها ستكون أشد مما يتصور هؤلاء المروجون -وما اكثرهم - فهذه الفكرة مغشوشة، تحت أي صيغة، وبموجب أي ذريعة.
بقي أن أقول لكل الذين أخذتهم «العزة السياسية بالاثم « والانتهازية، فتبادلوا الأدوار لتنفيذ أجنداتهم ضد بلدنا، سواء بالاستقواء عليه ومحاولة اضعافه، أو لتخويفه من الخطر القادم إذا لم يندرج مع رغباتهم، أو بتوظيف فزّاعاتهم الخارجية للضغط عليه وزعزعة وحدته وتماسكه، أقول لهم : أعيرونا صمتكم، وتوقفوا عن هذا العبث المكشوف.
الأردنيون يعرفون مصلحتهم، ويقفون مع دولتهم وقيادتهم وجيشهم ومؤسساتهم ضد أي محاولة تستهدف بلدهم، شعارهم ما زال واحداً : الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين، وكما قال الملك رافضا ( كونفيدرالية مع من؟) : كلا للتوطين والوطن البديل والمساس بالمقدسات في القدس، صحيح أنهم، أقصد الأردنيين، كانوا وسيبقون مع أشقائهم لدعم صمودهم ومقاومتهم وتحرير أرضهم، لكنهم قبل ذلك ومعه وبعده كانوا وسيبقون مع الأردن وطنا لا يقبل القسمة، ولا يرضخ للخيارات والصفقات المشبوهة، ولا يقبل الوصاية من أحد أو على أحد، كما لا يقبل القيام بدور «التصريف « والوكالة بالنيابة عن أي طرف.