أصل وصورة


رم - بلال حسن التل

اعمل أكثر من ثمانية عشر ساعة في اليوم الواحد، تبدأ من قبيل صلاة الفجر. وأحرص خلال ساعات عملي، أن تكون أعمالي أصيلة لا صورة، لذلك وبالرغم من أنني أتقن استخدام وسائل العمل العصرية، فأنني اتجنب استخدام الكثير منها، فجزء كبير من هذه الوسائل تحول أعمالنا بما فيها علاقاتنا الاجتماعية إلى مجرد صور لاروح فيها.

فأنا مثلاً ضد استخدام نظام (الزوم) لعقد الإجتماعات، لأن هذا النظام لايفقد الإجتماعات خصوصيتها فقط، بل لانه يفقدها ماهو اهم من ذلك، فهو يفقدها مضامين اللقاء الإنساني، وأولها دفء المشاعر الإنسانية، وحرارة النقاس، فالفرق بين اجتماع (الزوم) والاجتماع المباشر كالفرق بين الاصل والصورة، أحدهما بلا روح هو الاجتماع عبر تطبيق (زوم)، لذلك فانني استمتع بالمشاركة المباشرة في الإجتماعات الجادة، خاصة اجتماعات فرق عمل جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي تزيد احيانا عن العشرة اجتماعات في الاسبوع، ولا تقل عن الخمسة اجتماعات في الأسبوع، ناهيك عن الندوات وحلقات النقاش التي تعقدها الجماعة، والتي تشكل اجتماعات فرق عملها مصدرا ثريا للمعرفة، لان اعضاء هذه الفرق يجمعون بين المعرفة النظرية بسبب الدرجات العلمية التي يحملونها، وبين التجارب العملية الميدانية التي

توفرت لهم، ناهيك عن تمثيلهم لمختلف طبقات المجتمع الاردني واتجاهاته الفكرية والسياسية، ومن ثم فان اجتماعات هذه الفرق فوق انها تحسن توظيف مالدى كل عضو من اعضائها من إمكانيات مهما كانت قليلة، وهذه واحدة من فوائد العمل الجماعي، فان هذه الإجتماعات تشكل ايضا ارضية مناسبة لتبادل المعارف والخبرات للخروج بتصورات اقرب ماتكون الى الدقة لمواجهة مايعاني منه مجتمعنا، تربويا وتعليميا واقتصاديا وصحيا وقانونيا وفي مجال الخدمات، وفي سائر مجالات حياتنا، وهي تصورات تحولت حتى الآن الى ثمانين مبادرة وبرنامج عمل وورقة حال، تغطي مختلف جوانب حياة المجتمع الاردني، أمضي وزملائي وزميلاتي من اعضاء الجماعة أوقاتاً طويلة في متابعة تنفيذها من قبل الجهات ذات العلاقة، دون ان نمل من تهرب بعض هذه الجهات من لقائنا، لان الكثير منها لايريد ان يعمل، لأنه يعلم أن نظم المتابعة ومبدأ الحساب والعقاب معطلة في بلدنا، لكننا نؤمن بأن بعض هذه الجهات إنما تهرب من ضميرها الذي نمثله، ولكننا نؤمن بأن الضمير لابد من أن يصحو في نهاية المطاف.

بالإضافة إلى كل ما تقدم فهناك اللقاءات الخاصة المغلقة التي نعقدها مع الكثير من الجهات أفراد ومؤسسات في مختلف أنحاء المملكة، لنتبادل معهم الرأي المشورة مما يثري عمل جماعة عمان لحوارات المستقبل. ويساعدني على بناء شبكة علاقات واسعة مع مختلف الوان الطيف الأردني ومستوياته.

غير عدم إيماني بنظام (الزوم) ومثل قناعتي بالاجتماع المباشر بين الناس، فانا مازلت اؤمن بقراءة الورق، فبالرغم من دخولي الى مواقع الصحف للاطلاع عليها فور صدورها الكترونيا، فانني حريص على قراءة نسخها الورقية بصورة يومية، فاحس بدف التواصل مع الورق والكلمة المكتوبة عليه، واشعر بانها أكثر رسوخا في الذاكرة من الكلمة التي تقرأ من وراء شاشات الجوال وغيره، تماما مثل الفرق ببن روح الأصل وجمود صورته.

ومثل حرصي على قراءة الورق صحفا وكتبا، فإنني حريص على الكتابة بالقلم وعلى الورق، وبالرغم من انني امتلك ارشيفاً إلكترونياً لمقالاتي، فأنا أشد حرصاً على امتلاك هذا الأرشيف ورقياً، وبهذا الأرشيف الورقي أتحاشى أخطاراً كثيرة، أقلها خطر دخول (هكر) قد يدمر كل شيء في ثوان معدودة.

إضافة إلى أن الأرشيف الإلكتروني هو مجرد صورة بينما الأرشيف الورقي أصل، وشتان بين الصورة والأصل، وشتان بين التفاعل الإنساني والتفاغل عبر شاشات وسائل التواصل الاجتماعي في كل شيء.



عدد المشاهدات : (5952)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :