المعايطه تكتب : انتخابات 2024


رم - بقلم ريما المعايطه

جاءت نتائج الانتخابات مفاجئة لكثير من المحللين السياسيين، حيث شهدت اكتساحًا لحزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للإخوان المسلمين، فيما فشلت الأحزاب التقليدية الأخرى في تحقيق نتائج تذكر. ولعل السؤال الأكثر إلحاحًا هو: لماذا حصد الإخوان المسلمون أعلى الأصوات؟ ولماذا فشلت الأحزاب الأخرى؟

استفاد الإخوان المسلمون من عدة عوامل رئيسية ساهمت في نجاحهم، على رأسها التنظيم المتماسك والقدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية. فهم يمتلكون بنية حزبية راسخة، وعملوا على تحسين صورتهم في السنوات الأخيرة، خاصة بعد موجة التغيرات السياسية في المنطقة. كذلك، نجحوا في استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد، عبر تقديم حلول شعبوية وجذب الناخبين من الفئات الأقل حظاً.

الإخوان المسلمون ركزوا على خطاب اجتماعي ديني يمتزج بالطابع الاقتصادي، مع وعود بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الظروف الاقتصادية. في الوقت الذي أخفقت فيه الأحزاب الأخرى في تقديم برامج واقعية تلامس احتياجات المواطنين، استطاع الإخوان المسلمون بمهارتهم التنظيمية وبرنامجهم الواضح أن يجذبوا اهتمام الجماهير.
ولا يمكن إغفال تأثير أحداث غزة الأخيرة على الانتخابات الأردنية. حيث شهدت الأشهر التي سبقت الانتخابات حرب مدمره على الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما أثر بشكل مباشر على المزاج الشعبي الأردني. الأردن، الذي يعتبر القضيه الفلسطينية هي قضيته ونصف مواطنيه من اصول فلسطينية ، تأثر بشدة بتلك الأحداث، وتجلّى ذلك بوضوح في الانتخابات.

أحداث غزة أدت إلى تعزيز مشاعر التضامن مع القضية الفلسطينية في الشارع الأردني، وهي مشاعر استغلها الإخوان المسلمون بشكل كبير في حملاتهم الانتخابية. لطالما كانت القضية الفلسطينية جزءًا من الخطاب السياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي، وقد استفادوا من تصاعد الغضب الشعبي إزاء الاعتداءات الإسرائيلية، حيث قدموا أنفسهم على أنهم الصوت الأقوى للدفاع عن الحقوق الفلسطينية والوقوف ضد الظلم.

هذا الشعور بالتضامن مع غزة أثر أيضًا على الأحزاب الأخرى التي لم تُبدِ مواقف قوية تجاه القضية الفلسطينية أو التي ركزت على قضايا محلية دون التطرق بشكل كافٍ للهم الفلسطيني. وبالتالي، فشل بعض الأحزاب في كسب تأييد الشارع، الذي كان متلهفًا لسماع أصوات تدافع عن القضايا الكبرى، خاصة في ظل الأحداث المتسارعة في غزة.

أحداث غزة أعادت أيضًا تشكيل الأولويات السياسية لدى الناخبين الأردنيين، حيث لم تعد القضايا الداخلية وحدها هي محور الانتخابات. القضايا القومية والإقليمية لعبت دورًا كبيرًا في توجيه الأصوات نحو الأحزاب التي كانت تتبنى خطابًا يعكس تضامنًا أكبر مع الشعب الفلسطيني. وبرغم الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يعيشها الأردن، برزت القضية الفلسطينية كعامل رئيسي في تحديد خيارات الناخبين.

هذا التمازج بين السياسة الداخلية والخارجية كان عاملاً حاسمًا في فوز الإخوان المسلمين، حيث تمكنوا من الربط بين القضايا المعيشية التي يعاني منها المواطنون، وأحداث غزة، ليقدموا رؤية شاملة تعزز من موقفهم بين الجماهير.

من ناحية أخرى، تعاني الأحزاب التقليدية في الأردن من ضعف البنية التنظيمية وغياب التواصل الفعّال مع الشارع. أحزاب كثيرة تفتقر إلى قاعدة جماهيرية حقيقية ولا تمتلك رؤية موحدة تتجاوز المصلحة الشخصية لقياداتها. إضافة إلى ذلك، فشلت هذه الأحزاب في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، مما أدى إلى تراجع ثقة الجمهور بها.

الانتخابات كشفت أيضًا عن أزمة حقيقية في الهيكلة الداخلية لهذه الأحزاب، حيث غابت القيادة الكاريزمية القادرة على تحفيز الناخبين، وأصبحت هذه الأحزاب عاجزة عن تقديم برامج تنافسية حقيقية.
ولا ننسى ان الانتخابات في هذه الدوره تميزت بشفافية غير مسبوقة بفضل الجهود التي بذلتها الهيئة المستقلة للانتخابات. الهيئة حرصت على تطبيق معايير الشفافية والنزاهة في جميع مراحل العملية الانتخابية، بدءًا من تسجيل الناخبين وحتى إعلان النتائج. وتميزت الانتخابات برقابة محلية ودولية شاملة، مما عزز ثقة المواطنين في نزاهة العملية الديمقراطية.

الشفافية هذه كانت رسالة قوية لكل الأطراف السياسية بأن الساحة متاحة للتنافس النزيه، وأن الفائز الحقيقي هو من يستطيع إقناع الشارع الأردني ببرنامجه وتوجهاته



عدد المشاهدات : (14195)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :