د. مهند صالح الطراونة
إن ما دفعني لتناول عن هذه المسألة من الناحية الدستورية الأنظمة التي صدرت مؤخرا عن مجلس الوزراء، وأخص بالذكر"نظام معدل لنظام ضريبة الدخل الخاصة رقم(62) لسنة 2024 " والمنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم (4727)، ومع تقديرنا للغايات النبيلة التي يرنو إليها النظام والتي أفصحت عنها الحكومة الموقرة رسميا وتتضمن تقليل الفجوة بين الضريبة الخاصة المفروضة على المركبات التي تعمل على الكهرباء والمركبات الأخرى،وفيما يخص تعديل الضريبة المفروضة على الدخان جاء النظام يهدف أيضا التماشي مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ والتدخين بجميع أشكاله،وأنه و بالرجوع للنظام وجد أنه يتألف من مادتين المادة رقم(1) تضمنت تسمية النظام وتاريخ نفاذه، والمادة رقم(2) تضمنت تعديل الضرائب المفروضة على مادة الدخان وتعديل الوعاء الضريبي على المركبات الكهربائية وذلك من ستة بنود إحتوت على جداول مرفقة أبانت وحدات الاستيفاء والضريبة الخاصة عن هذه السلع وذلك على النحو الوارد في النظام ،الأمر الذي يستدعي منا بحث مثل هذا النوع من التعديلات من الناحية الدستورية.
و لتأصيل المسألة دستوريا نعرض لنص المادة (111) من الدستور لارتباطه في الموضوع والذي ينص على أن : " لا تفرض ضريبة او رسم الا بقانون ولا تدخل فـي بابهما انواع الاجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للافراد او مقابل انتفاعهم باملاك الدولة وعلى الحكومة ان تأخذ فـي فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفـين على الاداء وحاجة الدولة الى المال" ،ويستفاد من ذلك مبدأ دستوري هام إستقرعليه الدستورالأردني وكذلك الدساتير المقارنة وهو أن الضريبة لا تفرض إلا بقانون ،وهنا يثار التساؤل الأبرز ماهو مفهوم صدورالضريبة بقانون؟وهل هنالك ضوابط دستورية خاصة لصياغة النصوص الضريبة حتى تتفق هذه نصوص مع الدستور؟.
وللإجابة عن ذلك نوضح في البداية أن السلطة التي يباشرها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق ،لا تفسدها إلا الضوابط التي فرضها الدستور عليها لتحد من إطلاقها وترسم تخومها التي لا يجوز أن يتعداها ،سواء بإغراق هذه الحقوق من خلال تنظيمها ،أو من خلال تغافلها أو تقييدها بما يرهقها و يحول دون إكتمال مجالاتها الحيوية ، وحيث وحيث إن من المقرر-وعلى ما جرى عليه القضاء الدستوري الاردني وكذلك القضاء المقارن-أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا من المكلفين بأدائها إسهاما من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها بذلت من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطا بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطا بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلا لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضا عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها.
وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد وعائها، وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلا بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها، وتوريدها، وكيفية أدائها، وضوابط تقادمها، وما يجوز أن يتناولها من طعون اعتراضا عليها، ونظم خصم بعض المبالغ أو إضافتها لحسابها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة - عدا الإعفاء منها - إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وإلى هذه العناصر جميعها يمتد النظام الضريبي الاردني وفقا لما تنص عليه المادة(111) من الدستور- مضمونا وإطارا، وهو ما يعنى بالضرورة أن السلطة التشريعية هي التي تمتاك ولاية تلك الضريبة لتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها تعديلاً وإلغائأ وتحصيلاً، وذلك فقا للقوالب الشكلية والأسس الموضوعية التي ينبغي أن تكون قواما لها من زاوية دستورية، وبغيرها تنحل الضريبة عدما، وهو إستقر عليه القضاء والفقه الدستوري بشأن الضوابط الدستورية لصياغة النص الضريبي ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما أبانته المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية، حيث جاء بقضائها في القضية رقم (250) لسنة 23 قضائية لسنة 2004 على أن " .. ذلك أن الضريبة العامة لا يفرضها أو يعدلها أو يلغيها إلا القانون ، أما غيرها من الفرائض المالية فيكفي لتقريرها أن يكون واقعاً في حدود القانون ،تقديراً من الدستور لخطورة الضريبة العامة بالنظر إلى إتصالها بمصالح القطاع الأعرض من المواطنين ،ومن ثم نص الدستور على ضرورة أن يكون القانون مصدراً مباشراً لها ، بما مؤداه أن تكون السلطة التشريعية وحدها هي التي تقبض بيدها على زمام تلك الضريبة لتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها يتضمن تحديداً لنطاقها وعلى الأخص من خلال تحديد ووعائها وأسس تقديره وبيان مبلغها ،وتحديد الملتزمين بأدائها ،وقواعد رابطها وتحصيلها وتوريدها وكيفية أدائها وضوابط تقادمها ،وما يجوز أن يتناولها من طعون إعتراضاً عليها ،وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة ،عدا الإعفاء منها إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي بينها القانون ."
وتأسيسا على ماتقدم وحيث أن " نظام معدل لنظام ضريبة الدخل الخاصة رقم (62) لسنة 2024 ، وقبل ذلك النظام رقم (80) لسنة 2000 الذي يقرأ معه ، ومن خلال ما تضمنه من تعديلات على مبلغ الضريبة ووعائها بموجب نظام وليس قانون مع التأكيد ان الأنظمة الضريبية يفترض أن تتولى آلية إستئداء الضرائب وإجراءات تحصيلها وليس تحديد مبلغها ووعائها ، الأمر الذي يعتبر تجاوزاً على الضوابط الدستورية باعتبار إن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة وهي تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، ومن ذلك تحديد وعائها،وأسس تقديره، وهذه التفاصيل تنحل من دونها الضريبة هذا إن كانت قد صدرت بموجب قانون فكيف إذا صدرت بموجب نظام ، وننتهي بأن لا ضريبة الا بقانون، وأن لا يجوز للسلطة التشريعية تفويض السلطة التنفيذية باختصاص محصور بها واي تفويض في هذا السياق يعد غير دستوري ، وأن أي تفويض تشريعي لنظام موضوعه تعديل على الوعاء ضريبي يعتبر تجاوزاً على نص المادة (111) من الدستور وعلى النحو الوارد تفصيله .
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |