رم - م. أنس معابرة
قصة سيدنا موسى عليه السلام أكثر القصص وروداً في القرآن الكريم، ونجد بها الكثير من العبر والمواعظ، خصوصاً في المراحل المختلفة لحياته عليه الصلاة والسلام.
ولو عدنا إلى مرحلة ما قبل ولادته عليه السلام؛ لوجدنا صعوبة الظروف التي عاشتها أمه، فلقد كان ذلك العام هو العام الذي يقتل به فرعون كل ذكر يولد لبني إسرائيل، وهذا معناه أن يقتل فرعون وليد ام موسى في حال كان ذكراً.
هل تتخيل حجم خوف ام موسى كل يوم وهي تفكر في جنس طفلها الذي تحمله بين احشائها؟ هل تتخيل كمية هرمون الادرينالين الذي أفرزه جسمها، وتدفق منه الكثير إلى وليدها؟ لقد تغذى سيدنا موسى على كمية كبيرة من الخوف والأدرينالين وهو في بطن أمه، وعاش الخوف حتى قبل أن يولد.
وتأثر عليه السلام كثيراً بهذا الخوف الذي رافقه طويلاً، فعندما قتل أحدهم في السوق بقي خائفاً يترقب؛ إلى أن نصحه أحدهم بالهرب إلى مكان ثان، وحتى عندما عاد إلى مصر ووجد النار وذهب ليرى الخبر؛ كان خائفاً، فالخوف كان في جسده ودمه.
وعندما شرّفه الله بالرسالة كان جوابه واضحاً: "أخاف أن يقتلون"، وطلب الدعم والاسناد باشراك أخيه هارون في الرسالة. بل وحتى لحظات البعثة الأولى عندما تحوّلت عصاه إلى حية تسعى؛ أوجس في نفسه خيفة موسى، وفي لحظات التحدي مع سحرة فرعون؛ أحسّ بالخوف عندما شاهد حبالهم وهي تتحول إلى أفاعي.
هل معنى هذا أن الخوف قد لازم سيدنا موسى عليه السلام حتى نهاية حياته؟ الجواب هو لا؛ فلقد تحول الخوف إلى يقين، يقين بقدرة الله على نصرته، ويقين بضرورة انتصار الحق وظهوره، واندحار الباطل وانهزامه، حتى لو طال الزمان لعدة سنوات وعقود.
حانت لحظة التحوّل عندما حاصر فرعون سيدنا موسى وقومه حيث كان البحر من أمامهم والعدو من خلفهم، حينها قال القوم: "إنا لمدركون"، فلم يكن لديهم اليقين بعد، ولكن كان لسيدنا موسى رأي آخر حين قال: "كلا؛ إن معي ربي سيهدين".
كان هذا الموقف هو الموقف الأصعب الذي واجهه سيدنا موسى عليه السلام، فلا امل في النجاة، ولكن اليقين الذي لديه؛ كان كافياً لإيمانه بقدرة الله على نصرته ونجاته هو وقومه من بطش فرعون وجنده، حتى في موقف صعب وشبه مستحيل كالذي هم فيه.
نحن نعيش اليوم خوفاً مشابهاً لخوف سيدنا موسى عليه السلام، خوف خلفته أجيال متعاقبة منذ قرن من الزمان، خوف من الهزائم المتكررة التي لحقت بنا في قتالنا مع عدونا وعدو الإسلام، خوف يسري في أجسادنا من فئة طاغية باغية لا تعرف الحلال والحرام، تقتل الأطفال والنساء، وتعتدي على الكبار والصغار، وتصادر الأراضي وتحرق الشجر، وتهدم المباني دون وازع أو ضمير.
وفي ظل غياب الضمير العالمي عن الساحة، أو عدم قدرته على كبح العدو الصهيوني وعصابته التي تصول وتجول في الأرض خراباً ودماراً، وتعتدي على أهل غزة والضفة ولبنان، نجد أنفسنا خائفين وعاجزين.
ليس أمامنا خيار إلا الامتثال لطريقة النصر التي التزمها سيدنا موسى واخوته الأنبياء عليهم السلام جميعاً، وهو أن نحوّل الخوف الذي بداخلنا إلى يقين.
يقين بقدرة تلك الفئة القليلة في غزة والضفة ولبنان وغيرها من مواقع المقاومة على هزيمة أعتى الجيوش، يقين بقدرة الله عز وجل على دحر العدو وحلفائه وطائراتهم وسفنهم وصواريخهم، يقين بنصر الله عز وجل، ويقين بصدق وعده الذي وعدنا به، ويقين بضرورة ظهور الحق في نهاية المطاف، ويقين بدخولنا للمسجد الأقصى منصورين قاهرين لعدونا وظاهرين عليه.
نحن فقط بحاجة إلى أن نحوّل الخوف إلى يقين، عندها سننتصر.