رم - مكرم احمد الطراونة
في 7 شباط (فبراير) من العام 1999، تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني، الحكم خلفا لوالده المغفور له الملك الحسين بن طلال. ومنذ ذلك العام، ظل جلالته مشتبكا بقوة مع ملفات المنطقة التي لا تهدأ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي حملها إلى جميع المنابر العالمية، مؤكدا على الظلم التاريخي الواقع على الفلسطينيين، والذين حرموا من أبسط حقوقهم على مدى عقود طويلة.
الأسبوع الحالي، يلقي الملك خطابا في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين، والتي تعقد اجتماعاتها ومنطقتنا تمر بتصعيد غير مسبوق منذ عقود طويلة، تقف فيه على شفير حرب شاملة قد تطال جميع دول المنطقة، وسوف يمثل خطاب الملك فرصة مناسبة للتذكير بما كان يشدد عليه باستمرار، من أن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل عادل، وإهمال حقوق الفلسطينيين سيظل أساسا لعدم استقرار المنطقة، وبابا يفتح على احتمالات عديدة من التصعيد والعنف.
خلال ربع قرن من استلامه الحكم، شكلت القضية الفلسطينية محورا أساسيا في خطابات الملك ولقاءاته في الأمم المتحدة، وقد ظل دائما يؤكد أن أزمات المنطقة الراهنة، هي نتاج الظلم التاريخي الواقع على المنطقة، خصوصا ما يتعلق منه بالقضية الفلسطينية، وأن إنكار الحقوق الفلسطينية ومحاباة الاحتلال، وعدم الضغط عليه لتنفيذ القرارات الأممية الكثيرة في هذا الصدد، سيظل بمثابة الوقود الذي يصب على الحطب، ليولد مزيدا من الصراع والعنف الذي يهدد أمن المنطقة والعالم بأسره.
لقد أخفقت الأمم المتحدة، وعلى مدى عقود، من أن تمنح الفلسطينيين حماية مقبولة، فمنذ ما قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الكيان الصهيوني، ظل الفلسطينيون يتعرضون للمجازر والإبادة والترحيل القسري، تحت سمع وأنظار المجتمع الدولي الذي ظل عاجزا عن إيقاف السلوك الدموي الاستعماري للاحتلال، والأخطر أن هذا المجتمع لم يستمع إلى صوت العقل الذي يمثله جلالة الملك، وتعامى عن خطورة إبقاء الوضع على ما هو عليه، والدفع نحو حل عادل للصراع، وها هي النتيجة ماثلة أمامنا اليوم، وظل استثناء الشعب الفلسطيني من الحماية والحقوق، بما فيها حق تقرير المصير، السمة الغالبة في التعامل الأممي مع قضيته التي يقترب عمرها من قرن كامل.
الملك، ومن منطلقات العلاقة المتشابكة مع الجوار الفلسطيني، ومن صلات الدم والوصاية على المقدسات التي يحملها في عنقه، استثمر جميع المنابر العالمية، خصوصا الأمم المتحدة، ليذكر دائما بأن مستقبل المنطقة لا يمكن أن تتم مناقشته من دون الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتي هي أساس الصراع، والمحرك الرئيسي له لدى شعوب عايشت هذا الصراع على مدى عقود، ورأت الظلم التاريخي الذي يتم من خلاله التعامل مع الفلسطيني ومستقبله وآماله.
لا يدخر جلالته جهدا بتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الفلسطينيين، ليس من خلال خطاباته فحسب، بل وأيضا من خلال الحراك الدبلوماسي المكثف الذي سيقوم به على هامش أعمال الجمعية العامة، واللقاءات كثيرة مع قادة ومسؤولين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى قادة الرأي والمؤثرين في الولايات المتحدة، والمقرر أن يلتقيهم الملك في زيارته الحالية.
يصر الملك دائما على أن الحرب لن تلد إلا مزيدا من الحروب، وأن العنف ستتم مقابلته بعنف أكبر، وأن الحل السياسي الذي يتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، سيمثل بداية النهاية لهذا الصراع الذي لا تظهر له نهاية.
اليوم، نحن نشهد تصعيدا خطيرا للاحتلال في قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة، وفي والضفة الغربية المحتلة التي يبدو أن الاحتلال وضع مخططات للاستيلاء على مزيد من الأراضي لتوسيع منظومته الاستيطانية غير الشرعية وطرد الفلسطينيين منها، وصولا إلى الاعتداءات المتكررة على لبنان التي تبدو اليوم جبهة مشتعلة. كل ذلك ينبغي أن يذكر بالتحذيرات الكثيرة التي أطلقها الملك في العديد من المناسبات، وأن يؤخذ كلامه بما يعنيه تماما، فليس مستقبل المنطقة وحده الذي على المحك اليوم، بل مستقبل السلام العالمي بأكمله.