رم - حسين الرواشدة
نخوض معركة المناهج أم لا؟ لا بأس، الأردنيون يخوضون معاركهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مع كل صباح يبحثون عن قضية تشغلهم، ويتبادلون حولها الرسائل والتعليقات، وأحيانا الاتهامات واللكمات، بلدنا -والحمد لله - ولاّدة للأزمات والمشكلات، ولا مانع إذا تواطأنا على افتعالها، أكبر قضية نتداولها في سوق «الأولويات المقلوبة» تحتاج إلى ثلاثة أيام أو أكثر قليلا، ثم نطوي صفحتها لنبدأ «غزوة « جديدة من النقاش والصراخ ضد أعداء متوهمين، وقضايا تنزل بالبراشوت نحشد لها ما نملكه من عدّة وعتاد، ثم نتصارع حولها في العالم الافتراضي، وغالبا ما نخرج خاسرين.
هذه المرة قد تبدو المسألة «مُرتّبة « بشكل مختلف، حكومة جديدة وبرلمان جديد، إطلاق بالونات الاختبار فرصة لجس النبض وتسخين الأجواء العامة، ليست صدفة أبدا أن يتعمد البعض إطلاق «مناطيد» المناهج، ومحاولة صناعة رأي عام محتقن بالخيبات والشكوك والمخاوف، التوقيت ليس بريئا أبدا، عنوان المناهج مقدمة ضرورية لعناوين وملفات أخرى، خذ، مثلا، ملف نقابة المعلمين ؛ عدد من المعلمين أصبحوا نوابا على قائمة الإخوان المسلمين، وربما يفكرون بطرح هذه القضية مثل كرة ملتهبة في مرمى الحكومة الجديدة.
في سوق (بيع الجمل يا علي) تخرج فجأة سميرة توفيق، ثم يتم استدعاء صور من مناهج أخرى خارج بلدنا تتحدث عن «الشاب محمد «، وتبدأ عجلة النقاش تدور حول الضغوطات والتدخلات لطمس ذاكرة أبنائنا الطلبة، وعكس بوصلتهم ضد قيمنا وقضايانا، أهمها فلسطين والجهاد.. إلى آخره.، هي ذاتها عجلة التشكيك والتشويه التي دارت منذ نحو عام حول الدولة ومواقفها، وهي ذاتها المزادات باسم الدين والأمة، وهي ذاتها النقاشات التي انقسمت على أساسها الهويات وصناديق الانتخابات، يا خسارة.. ثمة من يريد أن يُهشّم الدولة ويحشرها في زوايا ضيقة تربك حركتها، وتستنزف رصيد ثقة الأردنيين بها، والهدف أن تتحول إلى «فصيل « ملحق، يرفع شعارات الآخرين، ويتقمص أدوارهم وتاريخهم، وهويتهم أيضا.
بعد أيام سنطوي صفحة «سميرة توفيق» وجدل المناهج على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وربما نفتح صفحة ما حدث في البتراء، أو ما يحدث في معارض بيع وشراء السيارات الكهربائية، لكن ما يجري الترتيب له في البرلمان لمواجهة الحكومة قد يتجاوز ذلك، ثمة قنابل سياسية يتم تجهيزها من قبل بعض النواب ؛ قنبلة الموقوفين والسجناء على قضايا الحريات والأخرى غير الجنائية، قنبلة العلاقة مع إسرائيل وملحقاتها، من المعاهدة إلى الاتفاقيات، قنبلة الأحزاب وحضورها في الطاقم الوزاري.. الخ.
ليس من باب «التنجيم «، حكومة جعفر حسان ستكون أمام مواجهات تبدو «مرتبة» من قبل النواب؛ أقصد كتلة الإخوان وآخرين سينضمون إليهم أو يتحالفون معهم، ما شهدناه في قضية المناهج مجرد بداية أو بروفة، لكن حلقات المسلسل القادمة ستكون مزدحمة أكثر بالأحداث والمفاجآت، هذا يستدعي أن تكون الحكومة مستعدة، وأن يكون الأردنيون واعين لفهم جولات المقارعة السياسية، يستدعي أيضا أن نتذكر بأن أولويات بلدنا وقضاياه ومصالحه العليا يجب أن تكون المعيار الذي نحتكم إليه، بدل أن تأخذنا بعض الصرخات المغشوشة باسم الوطن إلى حفر انهدام سقطت فيها أوطان عديدة، فيما لايزال المزاودون بيننا يرونها قمة الانتصارات، لا بأس، نزاود على الحكومات، لكن لا أحد يقبل أن نزاود على البلد.