المجالي يكتب: الجغرافيا


رم - عبدالهادي راجي المجالي


... حين تأتي الأخبار بصور من العواصم العربية، تلمح الاختلاف بيننا وبينهم.. مثلا القاهرة منبسطة، شكل البناء فيها مختلف عن عمان.. والشوارع مختلفة.. بغداد هي الأخرى فيها اختلافات، فاللون الأخضر يغطي معظم الأحياء.. والنخل يتسلق المدى..

وحين تنظر للرباط تلمح المباني ذات اللون الأبيض، والبناء الأندلسي.. والأشجار التي تختلف عن أشجارنا..

لكن كل شيء يتغير حين تعرض الجزيرة أخبار نابلس أو جنين أو الخليل.. حين تشاهد الصور القادمة من جنين تشعر بأنك في النزهة، وحين تلمح البناء الموزع في أطراف نابلس تحس للحظة أن المشهد التقط من جبل القلعة.. وحين تأتي صور الخليل تشعر أنك في البلد..

الجغرافيا في فلسطين تتكلم، الحجر ينطق.. والمباني لها ضحكة وابتسامة خاصة والشوارع تحس في لحظة أنها امتداد لشارع الملك غازي في البلد.. وتحاول أن تبحث في الصورة عن محلات الذهب ومطاعم بيع الكبدة والطحل.

أنا لا أفرق بين جبل عمان.. وجبل (عيبال) كأن للجبال هنا وهناك وريداً واحداً.. كأن الحشائش تتفق مع بعضها على النمو في وقت واحد، أو كأن صخور عيبال تأتي في الشتاء هنا كي تزور شقيقاتها.. وصخور عمان ترحل هناك للاستحمام بماء المطر.

أحيانا الصورة تنطق، ومن يلتقط التفاصيل فيها يدرك حجم التشابه بيننا.. تماما مثل العيون في الرأس الواحد، أو مثل الكف اليمنى واليسرى في الجسد الواحد..

إسرائيل لم تفلح في تغيير الجغرافيا، ظل الحجر يقاتل في الضفة الغربية وحافظ على شكله ورصانته، وبيت الفلسطيني في الخليل هو الآخر ظل يقاتل.. وحافظت الشبابيك على الزوايا فيها.. بالرغم من كل المستوطنات غير الشرعية التي زرعت في الجسد الفلسطيني، إلا أن بيتا واحدا من بيوت نابلس القديمة يجرؤ بجماله أن يمحو الصورة النشاز، وتهواه الكاميرا.. ويوضع على الطابع البريدي، وتشتهي النوم فيه.. بالمقابل كل المستوطنات التي زرعت، شكلها للوهلة الأولى يشبه التحسس الذي أصاب كف اليد، ويحتاج للعلاج.

الصورة حتى صور الكاميرا تكره إسرائيل وتعشق الفلسطيني، فقط شاهد التلفاز الإسباني أو الإيطالي أو الفرنسي.. شاهد حين يعرض زقاق نابلس القديمة.. يعطيك معنى شرعية المنزل ويمنحك تعريفا للهوية الفلسطينية عبر الصورة، ولأن هذه المحطات لا تدخل مستوطناتهم.. تعرضها من بعيد، وفور مشاهدتك لها.. تحس أن ثمة أوراماً غزت الأرض وتحتاج للاستئصال..

فلسطين ستنتصر لأن عدسات الكاميرات لم تعد تعرض مدنا صارت تعطي تعريفا لمعنى الهوية، والأهم من ذلك أنها انحازت للحق.. هي الأخرى صارت تقاتل مع الفلسطيني..

يا ترى هل سيزورنا جبل عيبال هذا الشتاء، ويستحم بدفء عشقنا ويعود لنابلس..؟..



عدد المشاهدات : (9850)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :