رم - ماهر ابو طير
مساء الثلاثاء الأول من شهر تشرين الأول كان الأردن وسط الحرب مجددا، وكل المضمون الرسمي يؤشر على شبه حالة طوارئ، حتى وإن لم يقل ذلك أحد بشكل مباشر.
سماءات عمان وأخواتها كانت معبرا للصواريخ الإيرانية نحو إسرائيل، وهذه المرة كانت الصواريخ منخفضة وواضحة، وشاهدها أغلب الأردنيين من مناطق مختلفة، وقاموا بتصويرها، مقارنة بضربة شهر نيسان، فيما تناقل الآلاف مقاطع الفيديو لعبور الصواريخ، وكثيرون سمعوا أصوات التفجيرات واهتزت جدران المنازل، ولم نسمع صفارات الإنذار لسبب ما
الأردن وإن لم يقل رسميا إنه وسط الحرب، إلا أن الواقع يقول ذلك فهو وسط هذه الجبهات، وقبل أيام سقط صاروخ قادم من لبنان، إلى فلسطين المحتلة، في منطقة الموقر القريبة من عمان، وحين تحلل موقع الأردن الجغرافي فهو وسط التراشقات المحتملة من إسرائيل وإيران والعراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن التي تطلق صواريخها نحو إيلات المجاورة للعقبة.
كان السؤال الأبرز يتعلق بالسيناريو المقبل، وهل سنجد أنفسنا في الأردن وسط درجة أعلى من الحرب، بما يستلزم من الناس اتخاذ إجراءات إضافية من تخزين الوقود والغذاء وغير ذلك، وهو أمر لم نشهده في الأردن مساء الثلاثاء، برغم التوتر النفسي من احتمالات سقوط الصواريخ على بيوت الأردنيين، والإجابة على هذا السؤال ترتبط بأكثر من نقطة.
النقطة الأولى تتعلق بالرد الإسرائيلي المحتمل، وعلى الأرجح لن ترد إسرائيل بطريقة كبيرة، تؤدي إلى اشتعال كل المنطقة، وستفضل التركيز على لبنان اليوم، إضافة إلى أن الرد الإسرائيلي قد يأتي بأشكال مختلفة، لا تريد إسرائيل تحمّل مسؤوليتها علنا، من احتمال اغتيال علي خامنئي، وصولا إلى تفجيرات في الداخل الإيراني، وغير ذلك، دون أن يتم نسبها لإسرائيل التي لا تفضل الآن ربما توسعة دائرة الحرب بشكل أصعب، لا تحتمله أيضا واشنطن.
كما أن النقطة الثانية تتعلق بالإيرانيين، حيث أن ردهم كان مفاجئا، لكنه محدود ومنخفض الأهداف، لأن إيران لا تريد الذهاب للحرب الآن، وتفضل إعادة بناء سمعتها بعد اتهامات أهل المنطقة لها بكونها تخلت على حلفائها، وضربة الثلاثاء عمليا محاولة لإعادة صناعة السمعة، بعد اغتيالات إسماعيل هنية وحسن نصر الله، وغيرهما من قيادات، لكنها ضربة محددة المستهدفات، فهي لا تؤدي الى حرب كبرى، وهي أيضا مفيدة في استرداد السمعة وسط العرب، واللافت للانتباه هذه المرة أن حركة الطيران في الإقليم بقيت طبيعية خلال بداية الضربة، ولم يتم وقفها مسبقا، مثلما حدث في الضربة الماضية، وبحقيقة الحال فإن نتائج الضربة ستبقى مخفية، ولن تسمح إسرائيل بكشف الخسائر لاعتبارات الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
إيران ذاتها غازلت واشنطن في الأمم المتحدة مؤخرا، على لسان رئيسها الحالي، ومسؤولون في إيران صرحوا علنا أن إيران لن تتدخل بالجند والسلاح، لأن الجماعات المحلية في فلسطين واليمن، تتولى مهمة الدفاع عن حالها، كما أن وزير الخارجية الإيراني صرح أن الضربة انتهت بهذه الرشقات إلا إذا قررت إسرائيل الرد، وكأنه يقول لا تردوا حتى لا ننفذ عمليات جديدة، وهذا يعني أن إيران في المحصلة تحاول الموازنة بين سمعتها بين العرب، وبين مصالحها كدولة وشعب، وبين محاولات تحييد الأخطار، والدفع الضمني لعقد تسوية معها، وهي تسوية ستعني في لحظة ما أن كل الجماعات الضاغطة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، كانت تتولى مهمة التأثير على إسرائيل، لغايات تكييش الحسابات الإستراتيجية لصالح طهران.
في كل الأحوال نستذكر اليوم زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى طهران، ومحاولات إقناع إيران بعدم استعمال الأردن ممرا للرد، وكانت الإشارات إيجابية، إلى درجة توقع تحسن العلاقات الإيرانية الأردنية، لكن ما حدث الثلاثاء كان العكس تماما، بما يعني أن الزيارة إلى طهران لم تحقق أي نتيجة، والشعور بالإيجابية المحتملة انهار بشكل مباغت في ليلة واحدة.
تبقى المفاجآت واردة خصوصا أن خبراء إيران الإستراتيجيين قد يقولون إن استمرار جدولة رد الفعل والسكوت والصبر، سيؤدي في النهاية إلى وصول السيف إلى عنق إيران، فلماذا ننتظر أصلا، ونحن ندرك أن دورنا مقبل على الطريق، وستكون كل جبهاتنا المساندة ضعيفة؟.
ليلة الثلاثاء كان الأردن وسط الحرب، أكثر من أي مرة ماضية.