رم - ماهر ابو طير
كشفت حرب السابع من أكتوبر وما نتج عنها من ارتدادات، عن انقسامات عميقة، وطولية، وعرضية في الرأي العام الأردني، والرأي العام الفلسطيني واللبناني وبين العرب ايضا.
يقر الكل أن اسرائيل هي الاحتلال، وهي جذر الازمة، إلا أن الاختلاف كان تفصيليا بحق كيفية التعامل مع الاحتلال، ووسائل ازالته، وكلفة الخلاص منه.
خذوا مثلا اغتيال حسن نصر الله، حيث ادى اغتياله الى حدوث انشقاق علني في الرأي العام الاردني، ويقاس الامر على شعوب عربية ثانية، مثل اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين، وغيرهم، وفي الاردن تقرأ تعليقات كثيرة تترحم عليه وتعتبره بطلا حاول على الاقل الوقوف في وجه اسرائيل، وقدم طوال سنة عبر حزب الله، الدم والتضحيات، فيما تفرج الآخرون، وكانوا يتمادون بألسنتهم على حزب الله، دون ان يفعلوا شيئا اصلا سوى التنظير.
مقابل هذا الفريق خرج فريق اردني آخر وجه الشتائم لحزب الله، واعتبره كاذبا، ينفذ اجندات ايران المذهبية، ويستهزئ بإمكانات حزب الله، ويسأل اين الصواريخ، ويتندر على عملية تفجير البيجرات، وعلى الاختراقات الامنية التي نالت من الحزب، وتبنى هؤلاء رأيا مذهبيا تأسس على خلفية التدخل في سورية من جانب حزب الله، وما يعتبره هذا الفريق من مذابح بحق السوريين السنة، وأشعل هذه الموجه تعليقات السوريين المقيمين في الاردن والمهاجرين الذين كانوا يشمتون علنا بما جرى، وصبوا فوق النار نارا وتعليقات لبنانيين هاجموا حزب الله لما تسبب به للبنان.
مثال آخر، يتعلق بذات وجود حركة حماس في غزة، وتنفيذ عملية السابع من اكتوبر، والرأي العام الاردني انقسم الى فريقين، الفريق الغالب يؤيد حماس، ويجاهر بإعجابه، ويعتبر قيادات حماس ابطالا جروا اسرائيل الى المهلكة التي تبدأ عامها الثاني، وما يزال هؤلاء على ذات رأيهم ولا يتراجعون عنه برغم كل الخسائر في قطاع غزة، وبرغم ارتداد الحرب على الاردن اقتصاديا ومعنويا، ولدينا بالمقابل فريق اقل عددا، واقل مجاهرة برأيه ينتقد الحرب، وانها لم تكن مدروسة، وكانت انتحارا فتح جهنم الحمراء على المنطقة، وتسمع ذات الرأي بين فلسطينيين في غزة، ولبنان، والضفة الغربية، والكل يقول اننا ضعفاء ولسنا على قدر هذه المواجهة.
مثال اخير هنا، يتعلق بقصف الصواريخ الايرانية على الاحتلال الاسرائيلي ومرورها عبر الاردن، إذ إن كثيرين غضبوا من استعمال سماءات الاردن لمرور الصواريخ، خصوصا، مع سقوط بعضها فوق الاحياء والبيوت، واعتبر البعض ان ايران تحاول تهديد الاردن حتى تتوسل عمان لواشنطن ان توقف الحرب كونها اصبحت فوق ارضه، ويرى هؤلاء انه كان بالإمكان ارسال الصواريخ عبر العراق وسورية، والابتعاد عن الاردن، الذي يكفيه ما فيه، وزاد هؤلاء سطرا بالقول ان الصواريخ مجرد لعبة مسرحية، برغم الادلة على الاضرار في اسرائيل وهذا الكلام تسمعه حتى في لبنان، سورية، العراق، مصر، وفلسطين، فالحرب كشفت غياب الاجماع ومنسوب الاختلافات الحادة بين اهل المنطقة، حتى بشأن القضايا المقدسة.
مقابل هذا الفريق هناك من كبر وهلل، سرا وعلنا، واعتبر ان تلطيخ سمعة ايران بين العرب السنة، امر مصنوع في المختبرات المعتمة، حتى لا يكون لها انصار في المنطقة، وانه يكفيها شرفا انها حاولت مع كل جماعاتها في فلسطين، وسورية والعراق ولبنان واليمن، وان من هو جالس متكرشا لا يحق له مس سمعة من يحاول، وهناك اعداد كبيرة مستترة ايدت ايران لكنها تحوطا ولاعتبارات امنية تخفي ذلك، وترى في كل جهد ايراني في اي ساحة امرا مفيدا جدا.
ساهم المؤثرون ورجال الدين من شتى الاصناف والمعلقون السياسيون والاعلاميون وتصريحات الرسميين العرب بإذكاء هذه الانقسامات، ويكفيك ان تمر بجولة عبر السوشال ميديا لتكتشف حجم الانقسامات والتنابز وتوظيف كل شيء في هذه الحرب التي تشتعل اولا بين اهل المنطقة، قبل ان تكون بينهم وبين اسرائيل، المفترض ان تكون عدوا يوحد الناس لا ان يفرقهم.
هذا يعني اننا نعيش حربين بشكل فعلي وليست حربا واحدة.