رم - كتب الناشط الحقوقي والسياسي عبدالله الزعبي
لا بد منّا ابتداءً النظر إلى الوضع بشكله الشمولي، شكل ينظر للمسألة بنظرة تاريخية وذات ارتباط بجميع جوانب هذا الأمر، من قوة شرائية للعملة الأردنية، لحالة التضخم المستدامة عبر السنوات دون انقطاع، وللإنفاق الاستهلاكي ومدى توازن الأجور مع كل هذه الأمور.
إذا نظرنا إلى الدولة الأردنية من الأعلى سنجد أنها دولة محدودة الموارد، محدودة الإيرادات حيث لا يفوق إيرادها حجم نفقاتها، مما نجد أن إيرادات الدولة غير قابلة لوضع خطط تنموية سريعة المدى، وإنما المنطق يقول إن المخصصات الرأسمالية ستضعها الحكومة بصعوبة ولمشاريع طويلة المدى، ما لم يكن هنالك إيراد آخر كالمنح الخارجية لمشاريع معينة.
واذا نظرنا من الداخل أيضًا سنجد، إن الدولة الأردنية في حالة تضخم منذ أكثر من 20 سنة بسبب التبعات الجيوسياسية كالحروب والنزاعات المدنية والعسكرية في دول الجوار والإقليم، فالأردن نشأت في إقليم ملتهب مضطرب سياسيًا بسبب زرع الفكر الفصائلي وعدم الحث على الفكر الوحدوي، وعليه سنجد النزوح وحالات اللجوء المستمرة إلى الدولة الأردنية أدت أيضًا كعامل رئيسي بضخ المال في فترة زمنية قصيرة ساهمت في ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب وقلة العرض، وهذا أدى إلى ارتفاع قوة الدينار الأردني بالمقابل شراء أقل بنفس القيمة النقدية مما كان عليه سابقًا.
وكل هذه الأمور حدثت دون مراعاة من صاحب القرار و/أو عدم قدرته، سواء كانت الحكومة أو البنك المركزي أو مؤسسات الدولة ككل في خلق تشريعات وتعليمات وأنظمة توازن بين قوة العملة وضبط الأسواق ورفع الحد الأدنى للأجور بشكل تدريجي كل ثلاث سنوات كحد أدنى.
السؤال هنا: على حساب من سيكون “رفع الحد الأدنى للأجور”؟ بكل تأكيد، إن الدولة هي المستفيد الأول ومن ثم المستهلك (الأجير)، حيث إن الدولة بكل الحالات صرف الرواتب لديها يتجاوز الحد الأدنى، والأجير سيتلقى راتبًا أكبر مما كان يتلقى سابقًا. هنا علينا الوقوف عند هذه المسألة مما نجد أن هذا الرفع سيكون على حساب القطاع الخاص بدرجة أولى، وسيكون متضررًا ما لم تخلق الحكومة سياسات تخفيفية على التكاليف التشغيلية للقطاع الخاص، مما يؤدي إلى خلق توازن وليس إثراء طرف على حساب طرف بشكل غير مدروس. مثال: لو كانت منشأة صناعية لديها 20 عاملًا براتب 300 دينار، سنجد هنالك نفقات 6000 دينار بينما سابقًا كانت 5200، الفارق الشهري 800 دينار أي 9600 دينار سنويًا، وهذا مبلغ لا يمكن الاستهانة به بالنسبة للقطاع الخاص في ظل الوضع الاقتصادي والجيوسياسي القائم، حيث أن أغلب القطاعات الخاصة اليوم نفقاتها قد تساوي إيراداتها، والأغلب نفقاته تتجاوز إيراداته بسبب التكلفة التشغيلية العالية ولا توجد أي تسهيلات حقيقية ملموسة على أرض الواقع نصل بها للإنصاف المجتمعي.
الحل: هو تذليل العقبات البيروقراطية أمام القطاع الخاص والتخفيف من الالتزامات النقدية والادارية على القطاع الخاص تجاه الحكومة لبعض المنشآت حسب الحاجة سواء تجارية ام صناعية، فقوة المنشآت الاقتصادية متفاوته ونظام “المسطرة” على الجميع يضر ولا ينفع. التوازن الاجتماعي هو الحل لضمان استدامة السوق الأردني وقوته الاقتصادية وتشجيع ملف الاستثمار من خلال فرز المنشآت حسب قوتها الاقتصادية وتحميلها التزامات حسب قوتها وليس حسب النظام أو القانون الموضوع، و/أو إيجاد تشريعات مرنة للتحلل منه وإعطاء صاحب القرار القدرة على التخفيف والوصول إلى فرض التزامات منطقية على القطاع الخاص وطالب الخدمة، وهذا يمكن قياسه بشكل عام على الوضع القائم ككل.
" شِعارات الحلول والنهوض تبقى بالخندق النظري ما لم ترى النور في التطبيق الواقعي الملموس"