رم - د. علي حياصات
في مجتمعات تسودها العدالة وتكافؤ الفرص، يتمكن الأفراد من تحقيق ذواتهم والوصول إلى أقصى طموحاتهم، وذلك وفقًا لسلم الحاجات البشرية الذي قدمه عالم النفس أبراهام ماسلو. يشير ماسلو إلى أن تحقيق الذات هو المرحلة النهائية التي يصل إليها الإنسان عندما يحقق طموحاته وأحلامه التي كانت ترافقه منذ الطفولة. لكن، ماذا يحدث إذا كانت البيئة المجتمعية لا توفر الفرص ولا تحتضن التنافسية العادلة؟
في الأردن، تتجلى هذه الإشكالية بوضوح. في ظل مجتمع يعاني من غياب العدالة في توزيع الفرص وتكافؤها، بحيث لا يمكن للأفراد أن يدّعوا أنهم حققوا ذواتهم بصدق. ما نراه في الاردن من صعود بعض الأفراد إلى مواقع وظيفية أو سياسية أو اجتماعية لم يكن نتيجة كفاءتهم أو جهودهم الذاتية، بل كان ثمرة نظام اجتماعي يفتقر إلى الشفافية والتنافس العادل.
عندما يدّعي البعض أنهم قد "حققوا ذاتهم"، نجد أن هذه الإنجازات قد تكون في الغالب مجرد مظاهر سطحية لمكانة اجتماعية أو وظيفة تم الوصول إليها بطرق تعتمد على النفوذ أو العلاقات الشخصية. هؤلاء الأفراد يدركون، في داخلهم، أن نجاحهم لم يكن نتيجة قدراتهم أو مواهبهم، بل كان نتيجة التحيزات المجتمعية وانعدام التنافسية الحقيقية.
تحقيق الذات وفقًا لماسلو لا يعني ببساطة الوصول إلى مركز أو منصب. بل يتعلق الأمر بالوصول إلى مرحلة من الرضا الداخلي، حيث يستطيع الإنسان أن ينظر إلى نفسه ويرى أنه قد حقق الأحلام التي كانت ترافقه منذ الصغر، ويشعر بالإنجاز على أساس مجهوده الشخصي ومثابرته الشخصية.
في المجتمعات غير التنافسية، تصبح هذه العملية شبه مستحيلة. عندما تغيب العدالة وتسيطر المحسوبيات على النظام الاجتماعي والسياسي، لا يمكن للأفراد أن يتسابقوا على أساس قدراتهم الفعلية. وفي هذه الحالة، يظل تحقيق الذات بالنسبة للكثيرين مجرد سراب ووهم.
إن تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص في المجتمع الأردني – أو أي مجتمع آخر – هو المفتاح لتمكين الأفراد من تحقيق ذواتهم بصدق. مفهوم تحقيق الذات لا يجب أن يكون مجرد شعار يتغنى به البعض دون فهم حقيقي لأبعاده. بل هو عملية طويلة وشاقة تعتمد على وجود بيئة تدعم العدالة والشفافية وتمنح كل فرد فرصًا متساوية للتنافس وتحقيق طموحاته.