رم - ماهر ابو طير
هذه ليست أول زيارة لوزير الخارجية أيمن الصفدي إلى دمشق، إذ توالت زياراته خلال العامين الأخيرين، حيث التقى خلال الزيارات الرئيس السوري، ووزير خارجية دمشق.
لكن زيارة الوزير يوم الأحد كانت مفاجأة لأنها تأتي في ظل توقيت في غاية الحساسية، أي توقيت الحرب في فلسطين ولبنان وما يتعلق بسورية وإيران، وكل الجبهات المفتوحة فوق رأس هذه المنطقة المبتلاة بكل أنواع الشرور والأزمات، منذ أكثر من مائة عام قمري.
كان السؤال الأكثر تردادا في عمان يتعلق بسبب ذهاب الوزير في هذا التوقيت، وعمان قد استقبلت من أيام فقط وزير الخارجية الإيراني، وفي الوقت ذاته تبدو خطوط عمان مع واشنطن قوية تستقبل وترسل أيضا الإشارات السياسية، بما يجعل الزيارة هنا ليست محلية في كل الأحوال، لأننا نتحدث هنا عن إقليم مشتعل بقضاياها المحلية، والإقليمية والدولية أيضا.
في الصياغات الرسمية لزيارة الوزير إلى دمشق، ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سبق أن التقاه ذات الوزير في شهر شباط 2023، كلام عن ملف اللاجئين السوريين، وتعزيز العلاقات الثنائية، وهذا الكلام لو لم يرد في خبر رسمي، لكنا توقعناه، مسبقا، وحاجتنا أساسا إلى معرفة ما وراء الخبر، خصوصا، أن التوقيت يفيض بدلالات أهم كثيرا، وهذا يقول أن هذه الزيارة بالذات محكومة بسياق مختلف، وتوقيت حساس لا يمكن أن يكون عاديا.
من حيث المبدأ تكشف الزيارة في هذا التوقيت عن علاقة أردنية سورية مفتوحة جزئيا، تجعل التواصل السياسي قائما، وإن لم يحقق كل غاياته، خصوصا، أن هناك ملفات مشتركة تتعلق بالحدود وحروب المسيرات ونقل الأسلحة والمخدرات، ووجود أكثر من مليون وربع المليون شقيق سوري بين أهلهم هنا، وربما الأهم أن الزيارة لا يمكن حصرها بملفات فنية بين البلدين، حتى وإن كان الخبر الرسمي ينزع نحو هذه الصياغة المعتادة، لأن التوقيت يرتبط كليا هذه الأيام بالإقليم، والجبهات المفتوحة فيه، وتأثيرها على الأردن، وسورية، وما قد يستجد.
على المستوى الأمني واللوجستي هناك تنسيق بدرجات متفاوتة بين الأردن وسورية، خصوصا بعد مشاكل الحدود، والتجاوب السوري هنا كان جزئيا، خصوصا، أن دمشق لا تسيطر على كل الحدود، وما تزال الحدود تسبب صداعا شديدا للأردن، بما يجعلها خاصرة مرهقة، مثل أي خاصرة محتملة مستقبلا كالحدود الأردنية العراقية، وما يرتبط أيضا في الجانب الاستراتيجي بمهددات الأزمات التي تجاور الأردن بدرجة ما في فلسطين ولبنان.
برغم النقد الداخلي للدبلوماسية الأردنية بكونها محسوبة أحيانا على مراكز قوى دولية، إلا أنها متمكنة في حالات كثيرة من التواصل مع قوى تناقض هذه المحاور، وقد أشرت إلى القدرة على التواصل مع الإيرانيين، والأميركيين، مثلا بدرجات متفاوتة، وهذا يساعد الأردن في تجنب أي كلف قد تقع عليه في إقليم تتداعى أركانه في أي لحظة، برغم أن هذا التواصل لا يرتقي إلى التحالف الكامل والمتساوي مع عواصم العالم بذات الدرجة، إلا أنه مفيد في حالة الأزمات على مستوى العلاقات الثنائية، أو التجسير بين أطراف متناقضة، أو نقل الرسائل.
في كل الأحوال هذه زيارة مهمة، وتعرف دوائر القرار في عمان وعواصم ثانية، أن السوريين منذ زمن بعيد، يريدون رفع عقوبات قيصر لتنشيط الاقتصاد السوري بما يساعد في عودة الأشقاء السوريين إلى بلادهم، ويريدون مشروعا لإعادة الإعمار في سورية لجذب السوريين وإعادتهم إلى بلادهم، وهو مشروع لا نعرف أين أصبح اليوم مع حاجتنا لمشاريع إعمار في غزة ولبنان والسودان واليمن، فيما تعقيد الأزمات اليوم على خواصر الأردن السورية والفلسطينية، وصولا إلى لبنان والعراق واليمن، يجعل الأردن في موقع الذي يريد إدامة وجوده أولا، والبحث عن حلول لإطفاء الازمات لحصرها وعدم تمددها.
الزيارة لافتة للانتباه من حيث دلالة التوقيت، وتتجاوز العناوين التي تمت عنونتها بها، كون هذه العناوين يتكرر استعمالها في كل الزيارات المتبادلة السابقة، وليست جديدة أصلا.