رم - لولا "ثقافة العولمة" التي غدت تستأثر بعقول وألْسِنة الكثيرين لانتفت الحاجة الى تأكيد المؤكد: اللغة العربية إرث حضاري أصيل وهوية أمة، وهي لغة القرآن والأدب والفصاحة التي امتدت جذورها من قلب بلاد العرب إلى مختلف أرجاء العالم، ورغم هذه المكانة، تواجه "لغة الضاد" العظيمة في أيامنا هذه تحديات كبيرة كضعف تعليمها، وهيمنة العامية واللغات الأجنبية، ما أدى إلى تراجع حضورها بين الأجيال.
لمواجهة هذه التحديات، جاء قانون حماية اللغة العربية لعام 2015 ليضع معايير واضحة لضمان استخدامها السليم في المؤسسات الحكومية والخاصة، مع اشتراط اجتياز امتحان الكفاءة في اللغة للمتقدمين للوظائف العامة. وتكاملاً مع هذا القانون، أطلق "المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية" لترسيخ مكانتها في المجتمع، وتعزيز الاعتزاز بها، وتشجيع الأجيال الصاعدة على اعتبارها جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية العربية.
الرئيس التنفيذي للمشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية بلال حسن التل يقول لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): انطلاقًا من الإحساس بالمخاطر التي تهدد اللغة العربية، وانتشار "موضة" التحدث بلغات أجنبية بين كثير من الشباب العربي على وسائل التواصل الاجتماعي، وحفاظا على اللغة العربية، اطلق المركز الأردني للدراسات والمعلومات عام 2011 مشروعاً وطنياً للدفاع عن اللغة العربية، وتم تشكيل لجنة وطنية عليا للمشروع في حينها برئاسة الدكتور ناصر الدين الأسد، حيث توجت جهود المشروع بصدور قانون حماية اللغة العربية عام 2015، الذي وضعه فريق من الخبراء القانونين وتابعته اللجنة العليا للمشروع حتى اجتاز كل المراحل الدستورية، وأصبح قانوناً نافذاً.
وأضاف التل، إن الكثير من المصوغات التي كانت أمام "جماعة عمان لحورات المستقبل"؛ لاطلاق المرحلة الثانية من المشروع الوطني للدفاع عن اللغة العربية، أولها أن الدفاع عن اللغة العربية، يعني الدفاع عن ثقافتنا، وهويتنا الوطنية والقومية، وهو دفاع عن الحبل المتين الذي يشدنا إلى عمقنا الإسلامي، و يربطنا بعمقنا الحضاري، وأن الدفاع عن اللغة العربية، يعني الدفاع عن سيادة القانون في بلدنا، وتتركز مهممتنا في المرحلة الثانية من المشروع في بحث آليات وسبل تطبيق القانون، باعتباره تشريعاً واجب النفاذ.
وأوضح التل أن أولويات المرحلة الثانية هي العمل على ترسيخ حب اللغة العربية، ونشر ثقافتها لأننا ندافع عن هويتنا ووجودنا الحضاري، ووحدتنا الوطنية، والقومية بكل مكوناتها الدينية والعرقية، فاللغة هي الرابط بين العربي و المسيحي و الشركس و الشيشان والكرد وكل من يعيش على تراب هذا الوطن.
وأكد أساتذة اللغة العربية لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن مؤسّسات تعليميّة مختلفة أخذت على عاتقها النّهوض بالعربيّة وحمايتها، والذود عنها بوسائل مختلفة لعل من أبرزها مراكز اللغات، وأقسام اللغة العربية في الجامعات.
وأضافوا، إن أقسام اللغة العربية، ومراكز اللغات ترنو إلى النهوض بالطلبة لغويًا وأدبيًا، وجعلهم قادرين على مواجهة التحديات في ظل انتشار التكنولوجيا المعاصرة، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تغزو العالم بلغة غير سليمة، مؤكدين أهمية العناية بالمناهج الدراسية، والمدرسين، وتنظيم الندوات، وورشات العمل الخاصة بالتشجيع على تعلم اللغة العربية، وربط التعلم بوسائل التكنولوجيا الحديثة.
وقال رئيس شعبة اللغة العربية في مركز اللغات في الجامعة الأردنية الدكتور ثامر المصاروة، إننا في مركز اللّغات بالجامعة بشعبتيه؛ شعبة اللّغة العربيّة، وشعبة النّاطقين بغير العربيّة؛ تنبّهنا إلى أهميّة نشر الوعي بالعربيّة، والذّود عنها من أيّ لبس قد يخالط شيئا من سماتها العظيمة؛ فعمدنا إلى إقامة جملة من الإجراءات الّتي تحقّق الغاية المنشودة ومنها تنظيم الفعاليّات، وورش العمل، والأنشطة الثّقافيّة الّتي تصدر عن غرض مفاده تحفيز الطّلبة على ممارسة اللّغة بأصولها، وربط أدائها بفكرة الإبداع الّتي تقرّبها إلى نفوسهم، وتجعلهم أكثر ارتباطا بها، ومن ذلك إقامة المسابقات الأدبيّة خاصّة الشّعريّة منها، وعقد النّدوات الأدبيّة، إضافة إلى ورش العمل التي تنمّي مهارة الكتابة، وما يتّصل بإتقان مهارة كتابة الخطّ العربي لدى الطّلبة.
وأضاف المصاروة، لم ننأَ في تحديد تلك الإجراءات وتنفيذها عن الانطلاق من مسألة الوعي بمهارات الاتّصال الأربع الّتي تقوم عليها اللّغة، ويتبدّى ذلك في تشجيع الطّلبة على القراءة عبر توفير المكتبات الّتي تزخر بالمصادر الأدبيّة والتّراثيّة العربيّة، وإقامة أنشطة تحثّ الطّلبة على أداء مهارة القراءة الّتي تقوّم ألسنتهم، وترتقي بمستوى ثقافتهم، مثل النّوادي الأدبيّة، والمسابقات الثّقافيّة الّتي تغني اطّلاع الطّالب ومعرفته.
وأكد المصاروة أهمية العناية بالمناهج ومدرّسيها، وذلك بتأهيل المحاضرين غير المتفرّغين؛ ليتمكّنوا من توظيف أساليب تعليم العربيّة الحديثة الّتي تتماشى ومقتضيات هذا العصر، وانتخاب الأكْفاء منهم، أمّا من حيث المناهج؛ فقد ركزت تلك المراكز على انتقاء ما يُؤسَّس من هذه المناهج على مبدأيْ الشّموليّة والتّكامليّة؛ ما يجعل منها مناهجَ تعليميّة متطّورة تتضمّن شقّين؛ الأوّل يُعنى بالإحاطة بعلوم العربيّة من نحو، وصرف، وإملاء، وغيرها، أمّا الثّاني فيهتم بتعزيز المهارات الّتي تمثّل كنهَ اللّغة؛ مثل القراءة، والكتابة، والتّحدّث، والاستماع.
وبيّن المصاروة، أن المركز على دراية تامّة بدور التّكنولوجيا الحديثة في تعلّم العربيّة وتعليمها إيمانًا منّا بضرورة استثمار التّعليم الرّقميّ في تدريس العربيّة وبما يتماشى ومقتضيات عصر التّقنية؛ فتوسّلنا بالمنصّات الإلكترونيّة التّفاعليّة، والتّطبيقات المختلفة الّتي تقرّب العربيّة وتعلُّمها من نفوس الطّلبة، وتنأى بهم عن أمارات الرّتابة والملل في اكتساب علومها، الأمر الّذي يجد صداه في زيادة ممارستهم للّغة، وتفاعلهم معها يوميّا.
بدورها قالت رئيسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب، والعلوم التربوية في جامعة الشرق الأوسط الدكتورة حفيظة محمود، إن اللغة العربية ركن أصيل من أركان هويتنا الثقافية (العربية والإسلامية) وخصوصيتها، وإدراكا منها بضرورة النهوض بها، وبأن كل منتٍم إليها عليه أن يتقنها؛ لخدمة دينه، ووطنه، وأمته، وتلبية لمتطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي، ومواكبة للاهتمام العالمي بتعلم اللغة العربية وآدابها وتدريسها في الجامعات الأجنبية، أسست الجامعة قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب والعلوم التربوية، ورفدته بنخبة مؤهلة من أعضاء هيئة التّدريس، يغطون بتخصصاتهم الدقيقة المجالات المعرفية لعلوم اللغة العربية وآدابها كافة.
و أضافت محمود، إن قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الشرق الأوسط يرنو إلى تأهيل الطلبة لغويًا وأدبيًا، وجعلهم قادرين على تحمل المسؤولية في ظل العولمة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات من خلال ربط اللغة العربية ومجالاتها المعرفية المتعددة بمتطلبات العصر التكنولوجية، وتزويدهم بالمعرفة، والمهارة، والكفاية العالية في تعليم اللغة العربية وآدابها وتعلّمها، وعقد ورشات تدريبية تمكنهم من المهارات اللغوية: تحدثاً، وقراءة، وكتابة، واستماعاً، لمساعدتهم في دخول سوق العمل متعدد المجالات؛ كالتعليم والتدقيق اللغوي والتحرير الصحفي والإعلام، والكثير من الوظائف في القطاعات الحكومية والخاصة التي تتطلب إتقان الكتابة والتعبير باللغة العربية.
وأكدت محمود، أن القسم يشجع الطلبة على التمسك باللغة العربية تحدثاً وكتابة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ويحرص على إحياء ذكرى اليوم العالمي للغة العربية، وذلك بعمل مبادرة في الجامعة بجعل هذا اليوم يوم التحدث باللغة العربية الفصيحة المبسطة من جميع الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، وعقد الندوات حول كيفية الحفاظ على اللغة العربية وحمايتها وتعزيز مكانتها، وعقد ورشات عمل لجميع طلبة الجامعة والعاملين فيها لتدريبهم على استخدام أساسيات اللغة العربية في الواجبات الوظيفية والمراسلات.
من جهته قال رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الزيتونة الدكتور ماجد البحرات، إن اللغة ركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية، لذلك يجب أن تتوجه المؤسسات الوطنية برمتها إلى الاهتمام بلغتها وتجويدها ونشرها ليس محليا فقط بل عالميا لتعزيز مكانتها، وأخذ دورها الريادي المطلوب لتحقيق حضورها الفاعل والمهم، وأن تتحمل هذه المؤسسات لا سيما التعليمية منها الدور الأكبر باعتبارها المؤسسة الأكثر انتشارا في المجتمع والمعنية بأفراده جميعهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وأضاف البحرات، إن لغتنا العربية لها خصوصية مستمدة من هويتنا الدينية والقومية، لذلك على مؤسساتنا التعليمية بأشكالها كافة أن تعززها كلغة تواصل بين أفرادها وظيفيا واجتماعيا للحفاظ على هويتهم ومنجزهم الثقافي واللغوي والمعرفي في عصر تتعرض فيه اللغة العربية لهجمات خطيرة بفعل العولمة والتكنولوجيا الرقمية، ما أدى إلى تراجعها عن مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي على الرغم من أن هذا مسؤولية المؤسسات التعليمية إذ عليها أن تعد المناهج العلمية المتطورة بلغتنا العربية كي لا تبقى حكرا على اللغات الأجنبية، وأن تهتم بمحتوى المناهج التي تقدمها لطلبتها، وتحرص على أن تزودهم بقيم المواطنة والانتماء لتراثهم وتاريخهم، وتكريس هويتهم العربية الخالصة من خلال ترسيخ حبهم للغتهم والانتماء اليها، وتعزيز استخدام اللغة العربية في الأنشطة المنهجية واللامنهجية، وأن تكون "العربية" لغة البحث العلمي في مدارسنا وجامعاتنا ودعم المجلات التي تنشر بالعربية، وتيسير سبل النشر فيها ومتابعتها.
وأكد البحرات، أهمية الاهتمام بالمحتوى الرقمي العربي على مواقع البحث العالمية الإلكترونية، وتخصيص جزء من ميزانيتها لدعم هذا المحتوى والنشر فيه من خلال دعم الباحثين الذين يشتغلون فيه ماديا ومعنويا، وتفعيل استخدام اللغة العربية داخل القاعات الدراسية، والتركيز على اللغة الفصيحة البسيطة التي يتقبلها الأفراد، والبعد عن التقعر اللفظي الذي ينفّر من اللغة.
بدورها قالت أستاذة النقد الحديث في جامعة البترا الدكتورة رزان إبراهيم، إن الحديث عن مشكلات اللغة العربية في محيطنا العربي ينبثق من نظرة عميقة متأملة في مجموعة الأسباب والعوامل التي تحول دون تحقيق ما نتطلع إليه من عملية نهوض حقيقية باللغة العربية، وهي النظرة التي تفضي بالضرورة إلى تشكيل لجان متخصصة غيورة معنية بمناقشة أدبيات الدفاع عن اللغة العربية، ومن ثم توجيه مؤسساتنا الثقافية والأكاديمية لتفعيل قرارات ملزمة تعالج ضعف الأداء اللغوي الذي يزداد تباعا مع ازدياد الاستمتاع بوسائل الترفيه التي توفرها التكنولوجيا المعاصرة.
وأكدت إبراهيم، أهمية العمل الممنهج الجاد الذي يحرص على غرس الاعتزاز باللغة العربية لدى الأجيال الناشئة، بما يقتضيه من حملات منظمة لترسيخ هذا الاعتزاز وفقا للإمكانيات المتاحة داخل مؤسساتنا الثقافية. ولعل فكرة إنشاء صندوق مالي - غايته تمويل المنتج الإبداعي المرتكز على اللغة العربية- تشجع الشباب على الخوض في اللغة التي تشكل المادة الخام لهذه الإبداعات.
وأوصت إبراهيم، بمحاربة مركب النقص، وفقدان الثقة باللغة العربية، والحفاظ على وضعها الاعتباري في نفوس أبنائها، وهو ما يقتضي تحركا من الجهات المسؤولة رفيعة المستوى باتجاه إعادة النظر حتى في سوق التشغيل المحلي الذي يتعامل مع الإنجليزية باعتبارها الأسمى على حساب لغتنا الأم، و استغلال تقنيات العصر في وضع برمجيات حاسوبية غايتها تحسين المهارات اللغوية في تعليم العربية.
وأشارت إبراهيم الى أهمية العمل الجاد على تحديث محتوى المناهج بما يتناسب ومستجدات العصر، ولا ضير لو أفدنا من تجارب الآخرين في الدول المتقدمة في تدريس اللغة وابتكار أساليب التدريس الجديدة. يبقى أن نقول: فلتكن العربية هي لغة التدريس الرئيسية في مؤسساتنا التعليمية المختلفة، ولتكن هناك جهات مختصة بتدريب الإعلاميين وتوثيق الأخطاء، وتعميم التصويبات على أمل التقليل من حدة التلوث اللغوي الذي أصبح ظاهرة لا بد من محاربتها بكل الوسائل الممكنة.
- -(بترا)