ابو طير يكتب : أزمة تضاف إلى أزمتين


رم - ماهر ابو طير

لا يعرف كثيرون أن هناك أزمة تضاف إلى أزمتين، إذ إن الأزمة الأولى هي الحرب، والأزمة الثانية هي تراجع المساعدات وتوقفها إلى حد كبير، والأزمة الثالثة انخفاض تدفق المساعدات، بسبب قلة كمياتها المتوفرة في مخازن المؤسسات الأردنية وتحديدا الهيئة الخيرية الهاشمية.

في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بلغ عدد الشاحنات التي دخلت قطاع غزة 60 شاحنة، فيما الحاجة الفعلية لأهل غزة تصل إلى ألف شاحنة يوميا، وكل التقارير العربية والدولية تتحدث عن مأساة إنسانية في شمال قطاع غزة تحديدا، وفي كل القطاع، خصوصا، مع توقف المساعدات الدولية، وتراجعها والإشكالات اللوجستية في إدخال المساعدات، مع استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي، بكل دموية.

وقد لا يعرف كثيرون أيضا أن الأردن أصبح منذ الصيف الماضي المنفذ الوحيد لدخول المساعدات الإغاثية، وما يقدمه يعد قليلاً نسبة إلى الحاجة الملحة للقطاع، أمام احتياجات أكثر من مليوني فلسطيني، يريدون وقف الحرب أولا، ويريدون تدفق المساعدات الإغاثية، وكل ما يساعدهم على استرداد الحياة جزئيا، في ظل تدمير القطاع، وتخريب البنية التحتية، وتحويله إلى منطقة خربة بحاجة لعشرات السنين، وعشرات المليارات من أجل إعادة الإعمار، وهذه ملفات ثقيلة جدا، لا يجوز تناسيها أو التعامي عنها.
يذهب الأردن إلى القمة العربية الإسلامية المشتركة التي تنطلق اليوم في الرياض، ولا يتخلى عن ذات مناشداته من أجل غزة، ودعوته تتكرر بإطلاق مشروع جسر إنساني من أجل غزة، فالمشكلة الأكبر ستظهر حين توقف الحرب، حيث لن تتوفر المساعدات، بسبب قلتها، وبسبب توقف الدعم الدولي لصالح أبناء غزة.
إذا توقفت الحرب فإن احتياجات كل القطاع لا يمكن تلبيتها، لا كليا ولا جزئيا، وإذا استمرت الحرب فإن عدد الشاحنات الواصلة إلى القطاع قليل جدا، في ظل شح المساعدات، وتحول الحرب إلى حرب مستدامة، لا يأبه بنتائجها أحد، وهذا ما فعله الأردن حين وضع العالم أمام مسؤوليته خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول الماضي، عبر مبادرته لفرض بوابة دولية للمساعدات الإنسانية، وحض العالم على الانضمام لها، وهو ما يريده الأردن خلال أعمال القمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض.
تجاوب الدول العربية والإسلامية، والعواصم الدولية مع الدعوات الأردنية المتتالية من أجل غزة، أمر مهم، من أجل وقف الحرب، ومن أجل إدامة المساعدات وكفايتها وهذا هو الملف الأخطر، خصوصا، مع اقتراب الشتاء، وتعمق الأزمة الإنسانية، بشهادة كل المؤسسات الدولية الموثوقة، في ظل ما تواجه المؤسسات المختصة باللاجئين مثل "الأونروا" من إغلاقات تؤدي إلى تعاظم الأزمة الإنسانية، وإذا كان الأردن الشعبي والرسمي يبذل جهدا كبيرا لإغاثة الغزيين، فإن هذا لا يكفي، وعلينا أن نتخيل فقط وقف الحرب، وفتح بوابات المساعدات عبر ألف شاحنة يوميا، لن نراها على أرض الواقع، بما سيعكس لحظتها مشهدا مؤذيا جدا للغزيين في هذه الظروف.
أدرك الأردن هذه الأزمة منذ حزيران حين عقد على أراضيه مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة، حيث اجتمع قادة دول ورؤساء حكومات ورؤساء منظمات إنسانية وإغاثية دولية، من أجل تحديد خطوات عملية تضمن إيصال المساعدات الإنسانية والطبية الطارئة بشكل فوري ومناسب ومستدام، وتسرع وتنظم عملية توفير المساعدات، وتحدد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في غزة، وتلبية الاحتياجات العملياتية واللوجستية ومختلف أنواع الدعم اللازم، وتأكيد الالتزام باستجابة جماعية منسقة للتعامل مع الوضع الإنساني الحالي في غزة، واستدامة خطوط المساعدات وتهيئة ظروف تفضي إلى الإيصال الآمن لها وحماية المدنيين.
اجتماع الدول العربية والإسلامية في الرياض اليوم الاثنين، منصة أساسية، من أجل دعم أي مبادرة أردنية، وتوافق هذه الدول على وقف الحرب بشكل فاعل من جهة، وعلى التهيئة لهذه المرحلة، والمراحل المقبلة، على صعيد كفاية المساعدات لاحتياجات أهل عزة، حتى لا نبقى ندور وسط ثلاث أزمات مركبة: الحرب، وتراجع المساعدات الدولية والإقليمية، وقلة الكميات المتوفرة حاليا من المساعدات، وهي أزمات يدركها الأردن، وسيواصل العمل في سياقها، مع إدراكنا هنا أن الدعوات الأردنية ليست لمجرد إبراء الذمّة، بقدر كونها تشخيصا لواقع مؤلم.



عدد المشاهدات : (8821)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :