قالها الملك حربا تطال الجميع


رم -

ماجد الفاعوري

إن التوترات الحالية في الشرق الأوسط، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، سلطت الضوء على تعقيدات السياسة الإقليمية والعالمية بشأن القضية الفلسطينية ودور حماس وتطلعات بعض القوى الإقليمية والدولية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، لتشكيل معالم جديدة للمنطقة. تصريحات الملك عبد الله الثاني في الأردن حول احتمال نشوب حرب إقليمية شاملة تبرز مخاوف الأردن من التداعيات الأمنية والاستراتيجية لما يحدث. في هذا السياق، يمكن تحليل الأمر من عدة زوايا تشمل العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، وموقف الأردن من التطبيع، ورغبة بعض الدول العربية في إنهاء دور حماس، وموقف القوى الغربية تجاه القضية الفلسطينية، ودعم إسرائيل، ومفهوم "إسرائيل الكبرى".

1. توتر العلاقات بين الملك عبد الله وترامب: صفقة القرن وتهميش القضية الفلسطينية

في عهد الرئيس الأمريكي في دورته الاولى دونالد ترامب، كانت هناك توترات بين الأردن والولايات المتحدة، بسبب "صفقة القرن" التي طرحتها إدارة ترامب كحل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. هذه الصفقة، التي رفضها الملك عبد الله بشدة، تجاهلت حقوق الفلسطينيين الأساسية، مثل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الملك عبد الله أبدى قلقه من هذه الخطة لأنها كانت تسعى إلى تجاوز الأردن كضامن للوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو دور محوري للأردن وشرعية النظام الهاشمي. كما كانت "صفقة القرن" تتجاوز حل الدولتين لصالح حلول أخرى قد تضر بأمن الأردن، خاصة وأن الأردن يعاني من تداعيات مباشرة لأي تدهور في الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة.

نتيجة لهذه التوجهات، توترت العلاقات بين الملك وترامب، إذ رأت الإدارة الأمريكية في موقف الأردن عائقاً أمام تنفيذ الخطة. ويعتقد أن الملك عبد الله كان يخشى من أن يؤدي تجاهل حقوق الفلسطينيين إلى تصعيد التوترات، ما يمكن أن يؤدي إلى اندلاع نزاع إقليمي يؤثر على أمن واستقرار الأردن.


2. رغبة بعض الدول العربية في إنهاء دور حماس وتصفية القضية الفلسطينية

منذ اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية المعروفة بـ"اتفاقيات أبراهام"، بات واضحاً أن هناك رغبة لدى بعض الدول العربية في تجاوز القضية الفلسطينية كقضية مركزية، إذ تركز هذه الدول الآن على التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل. هذا التحول أضعف الدعم العربي التقليدي للفلسطينيين.

بعض هذه الدول تعتبر حماس تهديداً أمنياً بسبب علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين وتوجهاتها العسكرية، حيث تميل هذه الأنظمة إلى اعتبار حماس جزءًا من مشاكل عدم الاستقرار في المنطقة، وترى في تقييد نفوذها مصلحة استراتيجية. هذه الدول تسعى لتعزيز السلطة الفلسطينية كبديل للحركات المسلحة، ما يعتبره البعض محاولة لإنهاء المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.

هذا الموقف يتماشى مع استراتيجيات بعض الدول الإقليمية التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على القضية الفلسطينية كحافز سياسي داخلي، والتركيز على الاستقرار الأمني وتحقيق المكاسب الاقتصادية. إلا أن هذه السياسات تقلق الأردن، الذي يرى في تهميش القضية الفلسطينية خطراً على استقراره الداخلي.


3. موقف القوى الغربية من القضية الفلسطينية ودعمها لإسرائيل

موقف القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يميل بشدة إلى دعم إسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. هذا الدعم يُعزز إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين ويمنحها القدرة على توسيع نفوذها الإقليمي. فقد قدمت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة دعماً عسكرياً كبيراً لإسرائيل، وخصّصت أموالاً ضخمة لمساعدة إسرائيل في تطوير أنظمتها الدفاعية، مثل نظام "القبة الحديدية".

القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تضع مصالحها الاستراتيجية مع إسرائيل فوق الاعتبارات الإنسانية أو الحقوقية للفلسطينيين. ففي كثير من الأحيان، يتغاضى المجتمع الدولي عن الانتهاكات الإسرائيلية بحجة "حق الدفاع عن النفس"، بينما يتم توجيه انتقادات شديدة لأي تحركات من قبل الفلسطينيين للدفاع عن حقوقهم.

هذا الدعم الغربي لإسرائيل يؤدي إلى إحباط محاولات الأردن والدول الأخرى لدفع القضية الفلسطينية نحو حل عادل. وبالنسبة للملك عبد الله، فإن استمرار هذا الدعم غير المشروط لإسرائيل يزيد من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، لأنه يعزز موقف إسرائيل الرافض لأي تسوية جذرية، ما يشعل فتيل التوترات في المنطقة.


4. فكرة "إسرائيل الكبرى" وقلق الأردن من تداعياتها

يُعرف أن بعض التيارات الإسرائيلية اليمينية تسعى لتحقيق مفهوم "إسرائيل الكبرى"، الذي يشمل ضم أراضٍ واسعة من الضفة الغربية، وربما أجزاء من الأردن في المستقبل. هذه الفكرة تثير قلق الملك عبد الله الثاني، الذي يخشى من أن تؤدي السياسات الإسرائيلية التوسعية إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، ما يجعل الأردن الوجهة الوحيدة المتاحة للفلسطينيين الذين قد يُهجّرون.

مفهوم "إسرائيل الكبرى" ليس فقط تهديدًا للأراضي الفلسطينية، ولكنه أيضاً يشكل تهديداً مباشراً لأمن الأردن. فتزايد النزعة الاستيطانية في الضفة الغربية، والتي تساندها بعض الأحزاب الإسرائيلية، يدفع الملك عبد الله للتحذير من أن تحقيق هذا الحلم الصهيوني قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة، إذ أن التوسع الإسرائيلي سيؤدي إلى تصاعد المقاومة الفلسطينية ويستفز دولاً أخرى في المنطقة.


5. قلق الأردن من الحرب الإقليمية الشاملة

الملك عبد الله يُحذر من اندلاع حرب إقليمية شاملة لأنه يدرك تماماً أن الأردن هو أحد الدول الأكثر تأثراً من أي تصعيد كبير بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو حتى بين إسرائيل وإيران. فالأردن محاط بدول تعاني من النزاعات، مثل سوريا والعراق، ويقع على حدود مباشرة مع إسرائيل والضفة الغربية، ما يجعله عرضة لأي تداعيات مباشرة.

تزايد التحالفات الإقليمية، خاصة بعد اتفاقيات التطبيع، وتحولات المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية، يضع الأردن في وضع معقد. فالملك عبد الله يخشى من أن يؤدي هذا التحول إلى تصفية القضية الفلسطينية، مما سيؤدي إلى انفجار الوضع في الضفة الغربية وربما في غزة، ما سيؤدي إلى تزايد اللاجئين والأعباء الأمنية على الأردن.


ختاما تحذيرات الملك عبد الله الثاني من احتمال اندلاع حرب إقليمية شاملة تعكس قلقاً عميقاً تجاه السياسات الإقليمية والدولية، التي تسعى بعضها إلى تهميش القضية الفلسطينية وتصفية دور حماس، في ظل دعم واسع لإسرائيل من قبل الدول الغربية.

التوتر الذي شهدته العلاقات الأردنية الأمريكية في عهد ترامب لا يزال يلقي بظلاله على السياسة الأردنية، التي ترى في "صفقة القرن" واتفاقيات التطبيع محاولة لتجاوز الحقوق الفلسطينية، ما يهدد استقرار الأردن. كما أن الدعم الغربي لإسرائيل، وفكرة "إسرائيل الكبرى"، يعمقان هذه المخاوف، خاصة إذا حاولت إسرائيل فرض واقع جغرافي وديموغرافي جديد على حساب الفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة في المنطقة تمس الأردن بشكل مباشر.




عدد المشاهدات : (2383)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :