رم - بلال حسن التل
كنت قد حزمت أمري بان لا اكتب عن الشهيد وصفي التل، في ذكرى استشهاده هذا العام، على غير عادتي في كل عام، وكان من اسباب قراري الامتناع عن الكتابة عن وصفي التل حتى لايظن الناس ان أقرباء وصفي وابناء عمومته هم فقط الذين يحيون ذكراه السنوية.فوصفي ليس ملك لاسرته ولا لعشيرته، لكنه ملك امته فهو ابنها المنتمي اليها، المتزم بالدفاع عن قضاياها العامل لاسترداد حقوقها، وبناء وحدتها .
لكن ما قرأته وماسمعته مما غصت به خاصة وسائل التواصل الاجتماعي في الذكرى الثالثه والخمسين لاستشهاد الرجل استفزني للكتابة،فبالرغم من ان هذا الذي يكتب عن الشهيد وصفي التل، يعكس مدى تعلق الاجيال به، وبالنموذج الذي قدمه للمسؤول نظيف اليد،الصادق و الصريح المتفاني في العطاء، كما يعكس تعطش الناس لتكرار نموذج الشهيد وصفي التل، بما في ذلك الاجيال التي لم تعاصره، لكنها سمعت عنه. بالرغم من ذلك كله فان المدقق في الكثير مما قيل ومما كتب، سيكتشف ان الكثيرين ممن قالوا وكتبوا عن وصفي يجهلون وصفي تمام الجهل، ولم يقرؤه البته، ولو فعلوا ذلك لزادوا تعلقا بالرجل، ولتغيرت طريقتهم في احياء ذكراه، علما بانه لا عذر لهم في عدم قراءته، لان تراث الرجل الفكري وسجل انجازاته ومواقفه، كل ذلك مكتوبا وموثقا ومنشورا لمن اراد ان يقراء الرجل ويسير على خطاه وينصفه، دون اسفاف، والاهم دون تحميله مواقف ومفاهيم هو براء منها.والاكثر اهمية لمنع البعض من ان يستغل ذكرى الشهيد وصفي التل ليجلد ظهر الاردن، متناسيا ان وصفي عاش ومات مدافعا عن كرامة الاردن وصورته ونقائه. كجزء من دفاعه عن امته وقوميته العربية، فلم يكن الرجل اقليميا بل كان قوميا حتى النخاع، لذلك قاتل في فلسطين، وجرح في الجليل وتصدى لحسني الزعيم في سوريا، واعتقل فيها دفاعا عنها.مثلما اعتقل في الاردن عندما احتج على الظلم، وكان في شرخ شبابه.
لذلك اقول ان اول علامات الحب للشهيد وصفي التل هي قراءة تراثه الفكري قراءة معمقة، ودراسة سلوكه الشخصي وانجازه الوطني دراسة فهم وتأسي واقتداء، حتى لا تظل الكتابه عنه مجرد كلمات جوفاء، خطوراتها انها تنسب للرجل ماهو براء منه. وتجعل من ذكرى استشهاده مناسبة للبعض ليتسلق عليها طلبا للشهرة، او مناسبة للاعلان عن العجز في مواجهة مايعانيه الوطن من مشكلات، وتعليق هذه الموجهة على غياب وصفي التل!.
القضية الثانية الملفته في معظم ما قيل اوكتب عن الشهيد وصفي التل، هي كثرة استخدم حرف (لو)، مثل لوكان وصفي حيا، (لو) كان وصفي موجود، وهذا الاستخدام يتناقض تماما مع شخصية وصفي واقدامه، فقد كان الرجل لا يبحث عن اعذار، من مثل قلة الامكانيات، او الخوف من كثرة الاعداء، او الخوف من العواقب كفقدان الوظيفة، او غضب المسؤولين او حتى السجن، فكلها اعذار مرفوضة للتقاعس عن اداء الواجب، والقيام بما يجب ان يفعله، ولم يكن في قاموس سلوكه حرف (لو) فقد كان الرجل يأخذ بالاسباب ولا يتواكل ولا يتذرع ب (لو) واخواتها ليتقاعس بل كان يتوكل،وياخذ بالاسباب، لذلك سجن، ونفي. واقتحم. وجرح حتى صعد الى بارئه شهيدا، وظل ان نتأسى به بالتوكل لا بالتوكل، وبالعمل لا بالبحث عن مبررات التقاعس والكسل، والتباكي على الاطلال.حيث لامكان للتباكي في ذكرى رجل اهم صفاته انه كان مقداما.