رم - بلال حسن التل
اللافت في البيان الوزاري الذي تقدم به الدكتور جعفر حسان لمجلس النواب لنيل الثقة بحكومته، انه بيان غني بالمفاهيم، مما يعني اننا أمام رئيس وزراء مختلف، افتقدنا نموذجه منذ عقود، رئيس وزراء يمتلك رؤية وفلسفة واضحتين، ويشعر بمسؤولية الموقع الدستوري الذي يشغله، والاهم من ذلك انه يمتلك الطموح والتصميم على النجاح،لتحقيق هذا الطموح، لذلك لم يستجب للذين حاولوا تثبيط همته عندما نصحوه بان لايرفع سقف التوقعات، فكان رده (إنَّ توقعاتِنا يجبُ أنْ تكونَ عاليةً بمستوى مسيرةِ هذا البلدِ العظيم، وطموحِ شعبِهِ الكريم، فالأردنُّ يستحقُّ أعلى التوقعات، فالحكومةُ لم تكلَّفْ لإدارةِ التوقُّعات، بلْ للعملِ والمثابرةِ لإطلاقِ الطاقات وتحقيقِ الطموح،) وبهذا ينهي الدكتور جعفر حسان في بيان حكومته الوزاري عصر الحكومات التي كانت تعتقد ان مهمتها ادارة الازمات وترحيلها لتتفاقم ثم تنفحر في حضن غيرها، ويكون الوطن هو الخاسر والمواطن هو الضحية. ونامل ان ينجح في ذلك على أرض الواقع. واعتقد انه يمتلك عناصر النجاح واولها :انه يؤمن بان مهمته ليست سهله عندما قال في البيان الوزاري:
(لن يكونَ عملُنا سهلاً، ولكنَّنا لن نتلكَّأَ ولن نتردَّدَ إن شاء الله، وسنعملُ بكلِّ ما أوتينا من قدرةٍ، ليبقى قَدَرُ هذا البلد عظيماً على الدوام.).
اما العنصر الثاني من عناصر النجاح التي يمتلكها دولته فهو التفاؤل مع الواقعية التي تعرف حجم التحديات التي تنتظرها وهو ما قال عنه في بيانه الوزاري :
(ننظرُ للمستقبلِ بتفاؤل، لأننا مؤمنونَ بقدرةِ هذا البلدِ وعزمِ شعبِهِ، ونعلمُ حجمَ الفرصِ المتاحةِ أمامَنا، مدركينَ تماماً التحديات التي تواجهُنا، ومعظمُها خارجيةٌ، قدْ لا نستطيعُ تجنُّبها، ولكننا بعونِ اللهِ وبعزمِ شعبِنا وحكمةِ قيادتنا سنتمكَّنُ من تجاوزها) . اي ان الرجل لن يتذرع بالتحديات الخارجية التي تواجه بلدنا بل ستعمل حكومته على تحاوزها.
العنصر الأهم من عناصر النجاح التي يمتلكها الدكتور جعفر حسان، وهوعنصر مارسه عمليا خلال الاسابيع التي مرت من عمر حكومته، وهو العمل الميداني وخاصة في الاطراف والمناطق النائية تلك التي يقال عنها اقل حظا، ترجمة لرؤيته التي تضمنها البيان الوزاري للحكومة عندما قال(ان التواجد مع المواطنين في كل المواقع هو الطريق نحو تعزيز الثقة وتوجيهالاولويات) . وعندما قال في نفس البيان عن العلاقة بالمواطنين والعمل الميداني (التواجد بينهم لايجاد الحلول وتوسعة الفرص وتعزيز الامكانيات والقدرات، والاستماع الى ابناء وطننا وبناته في مختلف الميادين، ومن مواقِعِهم لا من مواقعنا فقط) وبهذا ينهي الدكتور جعفر حسان عصر الحكومات العاجية، التي صنعت هوه من عدم الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، كما ينهي عصر التخطيط للمواطن بعيدا عن معرفة احتياجاته وأولوياته الحقيقية.
ومن المفاهيم المهمة في البيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان، مفهوم العمل الوطني، فالوطنية ليست شعارات نرددها بالميادين والمهرجانات لكنها عند دولته ونحن نتفق معه في فهمه هذا، عندما عرف العمل الوطني بانه (مايمكن قياسه بالانحاز وبالأثر المتحقق في المجتمعات). بمعنى اخر ان الدكتور جعفر حسان يرى بان العمل العام هو واجب وخدمة وجهد وصبر وتصميم.
ان كل ماتقدم من المفاهيم التي تضمنها البيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان يرتكز الى قاعدة اساسية هي أهم مايمز المجتمعات الإنسانية، كما انه عنصر من عناصر تمدنها ورقيها، وهو عنصر سيادة القانون الذي قال عنه البيان الوزاري
(سيادةُ القانون هي الأداةُ لتعزيزِ العدالةِ الاجتماعية، وبها نحمي الحرياتِ العامة وحقوقَ الإنسان، ولذلك لا يمكنُ القبولُ بمقايضاتٍ أو سياساتٍ استرضائية، على حسابِ القانون ومصالحِ المواطنينَ وسلامتِهم وحقوقِهم) . كل ذلك في إطار السلم المجتمعي حتى لا يساء استخدام القانون ويفقد جوهر رسالته، وهو ما شرحه البيان الوزاري عندما قال:( ستقدِّمُ الحكومةُ مشروعَ قانونٍ معدِّلٍ لقانونيّ العقوبات وأصولِ المحاكماتِ الجزائية؛ للتوسُّعِ في حالاتِ اللجوءِ إلى الخدمةِ المجتمعية كبديلٍ عن العقوباتِ السالبةِ للحرية، بالإضافةِ إلى إرساءِ مبدأِ العدالةِ التصالحية، لتعزيزِ فُرصِ التَّصالحِ بينَ أطرافِ الدعوى ضمنَ إطارِ سيادةِ القانون) .
غنى وثراء البيان الوزاري ب الذي تقدم به الدكتور جعفر حسان لنيل ثقة مجلس النواب بالحكومة بالمفاهيم ، لايعني ان البيان لم يكن كذلك غنيا بالمشاريع وخطط العمل المرتبطة بجداول زمنيه لإنجاز ها، مما يحعلنا نتمنى التوفيق والنجاح للحكومة لانه نجاح للوطن وراحة للمواطن.