الدكتورة روان سليمان الحياري
تشكل مشاركة المرأة في الحياة السياسية محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، ليس فقط في العالم العربي، بل على مستوى العالم. فمع تطور الخطاب الحقوقي والسياسي في العقود الأخيرة، برزت أهمية مشاركة المرأة كأولوية ملحّة، خاصة في سياقات التحولات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها المنطقة. إلا أن هذه المشاركة لا تزال تواجه العديد من التحديات على المستوى المحلي و العالمي التي تتطلب تكاتف النساء والمجتمعات لتعزيز حضور أكثر تأثيراً للمرأة في المشهد السياسي.
فتمكين المرأة سياسيًا ليس مطلبًا حقوقياً فقط ، بل ضرورة تنموية. فالمرأة شريك اساسي في المجتمع، وتعكس مشاركتها في صنع القرار مصالح وتطلعات جميع المواطنين، مما يؤدي إلى سياسات أكثر شمولًا وعدالة. كما و تسهم مشاركة المرأة في تعزيز الاستقرار الاجتماعي، إذ أن وجودها في مراكز القرار يمكن أن يدفع نحو سياسات تهدف إلى التحسين في كافة المجالات سيما الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية.فالمرأة هي إنسان ومواطن لذا فنحن نتحدث عن حقوق انسانية و مواطنة مسؤولة وعنصر أساسي لتحقيق التغيير والتنمية.
بمنظور ايجابي و على الرغم من اختلاف المشاركة السياسية للمرأة العربية باختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ لكل دولة، فقد كانت المرأة في طليعة الحركات الاجتماعية والسياسية في بعضها، وغدت تشهد تقدمًا ملحوظًا من خلال دخولها البرلمانات والحكومات والمجالس الاستشارية مؤخراً، وبرغم تفاوت الإنجازات بين الدول، فلا يكفي حتماً تمكينها من صناعة القرار و حسب، بل يتطلب ذلك أيضًا ضمان انفاذ هذه القرارات، وعدم حصرها في أدوار ثانوية أو رمزية.
فبعض الدول، تدعم نظمها السياسية وقوانينها الانتخابية تمثيل المرأة سياسياً، من خلال الكوتا النسائية التي قد يرى البعض فيها إخلالاً في الحقوق الانسانية و المواطنة و لكنني أعتبرها من وجهة نظر ايجابية فرصةً ومدخلاً لوجود النساء لإثبات وجودهن، وتعزيز ايمان المجتمعات بدورهن و قدرتهن على إحداث الفرق . فلا يجب أن تؤثر العوائق الاقتصادية أو غيرها، على قدرة المرأة على خوض الحملات الانتخابية والمشاركة السياسية.فرغم أن حوالي 50% من أعضاء الهيئات الحزبية في العالم نساء، إلا أن نسبة وصولهن إلى الصفوف القيادية الأولى لا تتجاوز 10%.و هذا يتطلب بيئة سياسية أكثر انفتاحًا تُقيّم المشاركة بناءً على الكفاءة.
في الدول الغربية، تواجه المرأة تحديات من نوع آخر. فعلى الرغم من المشاركة الأوسع نطاقًا، لا تزال المرأة الغربية تصطدم بسقف يحول دون وصولها إلى أعلى المناصب. وقد تجلى ذلك بوضوح في انتصار ترامب مرتين في السباق الرئاسي الأمريكي، متجاوزًا سيدتين؛ وهو مشهد يعكس المعوقات التي تواجهها النساء عالميًا في البيئة السياسية في العالم.
و من هنا يجب أن تعمل النساء والمجتمعات معًا لتعزيز مشاركتها السياسية بداية برفع وعي المجتمع بأهمية دور المرأة السياسي، عبر حملات توعوية وبرامج تعليمية تسهم في تغيير التصورات السلبي والضغط لدعم المشاركة والتمثيل. والتعاون بين النساء في مجالات مختلفة، من خلال إنشاء شبكات دعم توفر الخبرات والموارد اللازمة، كما ولتعزيز صورة المرأة كقائدة ومؤثرة في المجتمع عبر الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ومنصات التواصل الاجتماعي، والتركيز على النماذج الناجحة للقائدات السياسيات في العالم وإبرازها إعلاميًا كقائدة قادرة على التغيير، ف أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة، خير مثال ملهم للمرأة لتعزيز مكانتها و قدرتها و كفاءتها في الساحة السياسية.
لا شك أن تعزيز المشاركة السياسية للمرأة في العالم العربي يتطلب جهودًا مشتركة من كافة مكونات المجتمع. فعندما تُمنح المرأة الفرصة لقيادة التغيير والمشاركة في صنع القرار، فإنها لا تسهم فقط في تحسين حياتها، بل ترفع أيضًا من كفاءة السياسات العامة وتعزز من استقرار المجتمعات. فالمستقبل السياسي للمرأة العربية يعتمد على وعيها بحقوقها وإيمان المجتمعات بأهمية دورها، مما يجعل الطريق نحو تمكينها كقوة تغيير ايجابي مسؤولية جماعية لا فردية نحو مستقبل أفضل، فلنعمل معاً!
مجلة بيت العرب الصادرة عن جامعة الدول العربية
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |