رم - الدكتور ليث عبدالله القهيوي
في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الشرق الأوسط، يبرز الجيل الجديد كعامل حاسم في صياغة مستقبل المنطقة. و يشكل الشباب نسبة كبيرة من سكان الشرق الأوسط، وتتركز طموحاتهم حول تحقيق العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون وتحسين مستوى المعيشة، وإعادة تشكيل الأنظمة السياسية التقليدية لتكون أكثر شمولية وتمثيلاً. هذه التطلعات تقابلها محاولات مستمرة من الأنظمة الحاكمة لإشراكهم في الحياة السياسية، لكن التقدم في هذا المجال ما زال غير كافٍ لتحقيق تحول حقيقي.
الأردن، كنموذج، يقدم صورة واضحة للتحديات والفرص التي تواجه الشباب في المنطقة. في السنوات الأخيرة، أطلقت المملكة مبادرات تستهدف تمكين الشباب من خلال منظومة التحديث السياسي. هذه المنظومة التي جاءت كاستجابة ضرورية للحاجة إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي والحزبي، مع التركيز على تعزيز دور الشباب في الحياة العامة، وتشجيعهم على المشاركة في الأحزاب السياسية والمساهمة الفاعلة في صناعة واتخاذ القرار ، إلا أن الطريق لتحقيق هذه الأهداف ليس مفروشاً بالورود.
يمثل الشباب في الأردن طاقة هائلة يمكن أن تكون جسراً نحو مستقبل أكثر استقراراً وتقدماً، إذا تم استثمارها بشكل صحيح وحقيقي . ومع ذلك، ما زالت هناك العديد من التحديات التي تعيق تفعيل هذا الدور بشكل كامل ، كالخوف من الانخراط في العمل السياسي بسبب النظرة السلبية للأحزاب التقليدية، وضعف الثقة في المؤسسات السياسية، وغياب الحوافز الكافية للشباب للمشاركة في العملية السياسية، كلها عوامل تسهم في تراجع انخراطهم. ورغم الجهود المبذولة من قبل الحكومة والمجتمع المدني لإشراكهم، إلا أن التغيير الحقيقي يتطلب إعادة صياغة العلاقات بين الدولة والشباب، بحيث يتمكنون من التعبير عن تطلعاتهم والمساهمة في صنع مستقبلهم.
ان منظومة التحديث السياسي الأردنية تمثل خطوة جادة نحو إصلاح القوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات، بهدف توفير بيئة داعمة تتيح للشباب الانخراط في العمل السياسي بدون خوف أو تردد. فالمبادرات المتعلقة بتعزيز المشاركة الشبابية في الجامعات والأحزاب السياسية تعد خطوات مشجعة، لكنها بحاجة إلى دعم أكبر وترسيخ في الثقافة المجتمعية بشكل جدي . فالتغيير لا يتحقق بمجرد تعديل القوانين، بل يتطلب بناء ثقة متبادلة بين الشباب والمؤسسات، إضافة إلى تعزيز ثقافة الحوار والمشاركة.
على مستوى المنطقة ككل، تظهر الحركات الاحتجاجية التي قادها الشباب خلال العقد الماضي قدرتهم على إحداث تأثير كبير في المشهد السياسي. لكن التحدي يكمن في تحويل هذه الحركات إلى تغيير مستدام داخل الأنظمة السياسية. التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات فعالة يستخدمها الشباب للتعبير عن آرائهم وتنظيم صفوفهم، مما يعكس مدى وعيهم السياسي وإصرارهم على التغيير. ومع ذلك، يظل السؤال قائماً حول كيفية ترجمة هذا النشاط الرقمي إلى واقع ملموس داخل المؤسسات الرسمية.
الشباب في الأردن وفي المنطقة العربية قادرون على أن يكونوا "جسور عبور" نحو مستقبل أفضل، إذا تم تفعيل دورهم بشكل حقيقي. هذه العبارة تتجاوز كونها مجازاً أدبياً لتصبح رؤية استراتيجية يجب أن تحتضنها الدول. ويحتاج الشباب إلى مساحة تمكنهم من التعبير عن أفكارهم والمشاركة في صنع القرارات التي تمس حياتهم بشكل مباشر. هذا يتطلب إرادة سياسية جادة، ودعماً مجتمعياً يعزز من مكانة الشباب كقوة محركة للتغيير.
ويجب أن تستمر الجهود في الأردن لتطوير المناهج التعليمية لتعزيز الوعي السياسي لدى الشباب، وتشجيعهم على الانخراط في الأحزاب السياسية كجزء من منظومة متكاملة تسعى لإصلاح المشهد السياسي والحزبي ،فالقوانين الجديدة يجب أن تضمن التعددية السياسية وتمكين الشباب من تأسيس كيانات تعبر عن رؤاهم. وفي الوقت نفسه، على الأحزاب التقليدية أن تتبنى سياسات داخلية تتيح للشباب مساحة أكبر للمشاركة في قيادتها، مما يعزز من قدرتها على تمثيل تطلعات الأجيال الجديدة.
الخلاصة أن التحديات التي تواجه الشباب في الشرق الأوسط عموماً والأردن خصوصاً ليست مستعصية على الحل. الإرادة السياسية، إلى جانب التزام المجتمع بتعزيز دور الشباب، يمكن أن يضع المنطقة على مسار جديد. والشباب هم العنصر الأكثر حيوية وقدرة على تجاوز الجمود السياسي الذي طال أمده ، وما يحتاجونه هو بيئة داعمة وفرص حقيقية ليكونوا الجسر الذي يربط بين الحاضر والمستقبل، والركيزة التي يُبنى عليها نظام سياسي أكثر عدالة وشمولية