سوريا عند مفترق طرق: صعود هيئة تحرير الشام وعواقبه


رم - احمد عبدالباسط الرجوب
لقد أدى هروب بشار الأسد المفاجئ والدرامي إلى روسيا إلى دفع سوريا إلى مياه مجهولة، مما جعل البلاد عُرضة لطموحات القوى الأجنبية وعودة ظهور الجماعات المتطرفة. ومع تحول النظام المهيمن ذات يوم إلى ظل لما كان عليه في السابق، تجد سوريا نفسها تحت رحمة القوى المتنافسة: فقد برزت هيئة تحرير الشام كوسيط محتمل للسلطة، في حين تلوح المصالح الإسرائيلية والتركية والإيرانية في الأفق الممزق.
لقد مهد الفراغ الذي خلفه رحيل الأسد الطريق لصراع شديد الخطورة حول مستقبل سوريا. إن هيئة تحرير الشام، بأيديولوجيتها الإسلامية وجذورها المسلحة، تشكل بديلاً صارخاً لحكم الأسد العلماني الاستبدادي. وفي الوقت نفسه، أصبحت معاقل العلويين على طول الساحل ومدينة حلب الحيوية نقاط اشتعال للنزاع، مما يشير إلى إعادة تشكيل أوسع لديناميكيات القوة داخل البلاد.
على هذه الخلفية، يتآكل النسيج الطائفي المعقد في سوريا، وتتعرض سلامة أراضيها للتهديد من ضغوط داخلية وخارجية. يستكشف هذا التحليل آثار صعود هيئة تحرير الشام، والتحالفات الإقليمية المتغيرة، والعواقب البعيدة المدى للتفكك السياسي في سوريا.

(1) تحديات الحكم الداخلي
تشير التطورات الأخيرة في حلب والمناطق الساحلية التي يهيمن عليها العلويون وهى مناطق قواعد القوة التقليدية للأسد انه قد بدت ملامح تململ هذه المناطق وبداية تمردها على هيئة تحرير الشام. وهم ما يعتبرون نجاح هيئة تحرير الشام في تعزيز سيطرتها على هذه المناطق يعني انقلاباً دراماتيكياً في الديناميكيات الطائفية والسياسية في سوريا. فالطائفة العلوية، وهي ركيزة أساسية لنظام الأسد، سوف تواجه تهديدات متزايدة تحت حكم هيئة تحرير الشام، مما قد يؤدي إلى نزوح جماعي أو عنف محتمل.
من غير المرجح أن يؤدي تولي هيئة تحرير الشام للسلطة إلى تحقيق الاستقرار في سوريا. وتشير شبكة التحالفات والتنافسات المعقدة في البلاد إلى أن قوى المعارضة والميليشيات الكردية والقوى الإقليمية مثل تركيا وإيران سوف تصعد من مشاركتها. وبدلاً من الوحدة، تخاطر سوريا بالانزلاق إلى صراع مجزأ متعدد الجبهات.
لقد خلق سقوط نظام الأسد فراغًا قياديًا تستعد هيئة تحرير الشام، بخبرتها في إدارة مناطق مثل إدلب، لاستغلاله. ومع ذلك، فإن حكم سوريا كدولة موحدة يفرض تحديات تتجاوز بكثير قدرات هيئة تحرير الشام الحالية. إن الحكم الإسلامي الصارم الذي تنتهجه الجماعة يعزل المجتمعات العلمانية والأقليات، بما في ذلك العلويون والمسيحيون والدروز، الذين يخشون الاضطهاد تحت حكم هيئة تحرير الشام.
إن افتقار هيئة تحرير الشام إلى الشرعية بين سكان سوريا المتنوعين يثير شبح المقاومة الواسعة النطاق. ومن غير المرجح أن تخضع الفصائل الكردية والموالون للأسد وحتى الجماعات الإسلامية المتنافسة لسلطة هيئة تحرير الشام دون قتال، مما يمهد الطريق لمزيد من التفتت والصراعات المحلية.

(2) العزلة الدولية
إن تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية من قبل القوى الكبرى يضمن عزلة سوريا بشكل أكبر تحت حكمها. ومن شأن هذه العزلة أن تحد بشدة من الوصول إلى المساعدات الدولية والموارد الاقتصادية، مما يؤدي إلى تفاقم محنة السوريين العاديين. وسوف تتوقف جهود إعادة الإعمار، التي أعاقتها بالفعل سنوات من الحرب، مما يترك البلاد غارقة في الفقر وانهيار البنية التحتية.وعلاوة على ذلك، فإن رفض المجتمع الدولي التعامل مع سوريا بقيادة هيئة تحرير الشام من شأنه أن يشجع الجهات الفاعلة الخارجية، مثل تركيا وإيران، على توسيع نفوذها تحت ستار ملء الفراغ في السلطة.

(3) انقلاب معادلات القوة
إن ديناميكيات القوة داخل سوريا تتغير بسرعة. فالمناطق الساحلية التي يهيمن عليها العلويون، والتي كانت في السابق معاقل لنظام الأسد، أصبحت الآن عرضة لطموحات هيئة تحرير الشام التوسعية. ومن شأن تقدم المجموعة إلى هذه المناطق أن يمثل انقلابًا دراماتيكيًا في حظوظ الطائفة العلوية، مما قد يؤدي إلى نزوح جماعي وإشعال العنف الطائفي.
في حلب، المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الهائلة، أدى غياب سلطة مركزية قوية إلى خلق أرض خصبة للفصائل المتنافسة للتنافس على السيطرة. وقد تؤدي قدرة هيئة تحرير الشام على تعزيز نفوذها هناك إلى إعادة تعريف توازن القوى في شمال سوريا.
بعيدًا عن جلب الاستقرار، من المرجح أن يؤدي صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة إلى تكثيف الصراعات الداخلية في سوريا. إن القوات الكردية، التي تشجعت بتحالفاتها الاستراتيجية مع الدول الغربية، سوف تقاوم تعدي هيئة تحرير الشام على أراضيها. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تعيد الميليشيات الموالية للأسد وجماعات المعارضة الأخرى تجميع صفوفها لتحدي هيمنة هيئة تحرير الشام.
إن تورط الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية يزيد من تعقيد المشهد. فتركيا، التي تسعى إلى الحد من الحكم الذاتي الكردي، وإيران، التي تهدف إلى الحفاظ على نفوذها، سوف تكثف تدخلاتها، في حين ستكثف إسرائيل ضرباتها ضد التهديدات المتصورة الصادرة من سوريا.
لقد حول الفراغ في السلطة في سوريا البلاد إلى ساحة معركة للطموحات الإقليمية. وترى تركيا فرصة لتعزيز سيطرتها على شمال سوريا، في حين قد تستغل إيران الفوضى لتعزيز ميليشياتها بالوكالة. ومن المرجح أن تصعد إسرائيل، التي تخشى وجود نظام إسلامي بالقرب من حدودها، من إجراءاتها العسكرية الاستباقية.
وفي الوقت نفسه، يعكس استعداد روسيا لإيواء الأسد استراتيجيتها طويلة الأجل للحفاظ على النفوذ في سوريا. ومع ذلك، قد تجد موسكو أن نفوذها يتضاءل مع تعزيز هيئة تحرير الشام لسيطرتها وتأكيد اللاعبين الإقليميين الآخرين لوجودهم.

الخاتمة
إن انحدار سوريا إلى حالة من عدم اليقين بعد رحيل بشار الأسد يؤكد هشاشة النسيج السياسي والاجتماعي في البلاد. إن صعود هيئة تحرير الشام، إلى جانب تكثيف التدخلات الأجنبية، ينذر بفصل جديد من عدم الاستقرار والمعاناة. وبالنسبة للشعب السوري، فإن الطريق إلى الأمام محفوف بالتحديات، حيث أصبحت بلادهم مركزًا لصراع جيوسياسي أوسع نطاقًا. ولا يمكن إلا للجهود الدولية المتضافرة لتعزيز الحوار والحكم الشامل أن تقدم بصيص أمل لأمة على حافة الهاوية.

باحث ومخطط استراتيجي



عدد المشاهدات : (5013)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :