رم - الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يعيش الشباب الأردني اليوم في معادلة معقدة، تتشابك فيها طموحاتهم مع واقع اقتصادي واجتماعي مليء بالتحديات، بين تطلعاتهم إلى حياة كريمة ومستقبل مستقر، والإجراءات الحكومية التي تُطرح كحلول، تبقى الفجوة واضحة في العديد من الجوانب ، من رفع الحد الأدنى للأجور، إلى قرارات التعيين وتبريرها المثير للجدل، وصولًا إلى القوانين الجديدة المتعلقة بالموارد البشرية، يتساءل الشباب: هل تكفي هذه الخطوات لتحقيق تطلعاتهم، أم أنها مجرد حلول آنية تفتقر إلى رؤية شاملة؟
رفع الحد الأدنى للأجور كان من بين القرارات التي استهدفت تحسين أوضاع الشباب المعيشية، لكن أثره على أرض الواقع لا يزال محدودًا وهل سيكون هنالك التزام بها ام تهرب بطرق او بأخرى كما هو ما يعمل به حاليا ضمن ضعف المساءلة والرقابة واجراءاتها ، ومن ناحية اخرى فالشباب العاملون في القطاعات المختلفة يجدون أنفسهم مكبلين بتكاليف معيشة مرتفعة، تشمل الإيجارات، والنقل، والطعام، وحتى الرسوم التعليمية. مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات، لم يعد الحد الأدنى للأجور قادرًا على تأمين حياة كريمة ، هذا التفاوت بين مستوى الدخل وتكاليف المعيشة يزيد من شعور الشباب بالإحباط، ويثير تساؤلات حول مدى جدوى مثل هذه السياسات في تحقيق العدالة الاقتصادية.
في موازاة ذلك، أثارت قرارات التعيين الوظيفي لبعض المناصب برواتب مرتفعة جدلًا كبيرًا في الأوساط الشبابية بدون تبريرات واضحة وبل تعداها الى تبريرات تعمل على تأزيم القرار من قبل الشخص المعني، في وقت يعاني فيه الشباب من البطالة أو يعملون برواتب متواضعة، تتجدد النقاشات حول العدالة الاجتماعية. يرى الشباب أن مثل هذه القرارات تعكس غياب الشفافية وتكرس مفهوم الامتيازات القائمة على العلاقات الشخصية والمحسوبية، بدلًا من الكفاءة والاستحقاق ، هذه السياسات لا تعزز فقط الإحباط، بل تقوض أيضًا الثقة بين الشباب والدولة، مما يوسع الفجوة ويزيد من الشعور بالتهميش.
من ناحية أخرى، جاءت الأحزاب السياسية بوعود كثيرة تهدف إلى تمكين الشباب وتحسين ظروفهم ، تحدثت البرامج الحزبية عن توفير فرص عمل، ودعم ريادة الأعمال، وتعزيز المشاركة السياسية للشباب. ومع ذلك، يبدو أن ترجمة هذه الوعود إلى أفعال ملموسة لا تزال بعيدة المنال ، يشتكي الشباب من ضعف البنية التحتية للأحزاب السياسية، وافتقارها إلى خطط عملية طويلة الأمد يمكن أن تؤدي إلى تغيير حقيقي ، بدلاً من ذلك، تظل هذه الوعود جزءًا من الحملات الانتخابية التي فقدت مصداقيتها بمرور الوقت. هذا الوضع يدفع الكثير من الشباب إلى الابتعاد عن العمل السياسي، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام مستقبل الديمقراطية في الأردن.
على المدى البعيد، يتطلب تحسين أوضاع الشباب الأردني تبني رؤية استراتيجية حقيقية وشاملة تعالج الجذور الحقيقية للمشكلات بدلاً من الاكتفاء بالحلول الجزئية ، أحد أهم المحاور في هذه الرؤية هو الاستثمار في التعليم والتعليم المهني والتدريب، بحيث يتم تزويد الشباب بالمهارات التي يحتاجها سوق العمل الحديث، كما أن بناء جسور الثقة بين الشباب والدولة يتطلب تعزيز الشفافية في القرارات المتعلقة بالتوظيف، وضمان العدالة في توزيع الفرص.
ومن الضروري أيضًا تعزيز الحوار بين الشباب وصناع القرار، حيث لا يمكن تطوير سياسات فعالة دون إشراك الشباب أنفسهم في صياغتها ، فتوفير منصات دائمة للحوار وتبادل الأفكار يمكن أن يساهم في استعادة الثقة، ويضع الشباب كشركاء حقيقيين في رسم مستقبلهم ، إضافة إلى ذلك، يجب أن تتبنى الأحزاب السياسية منهجًا جديدًا قائمًا على تنفيذ الوعود بشكل ملموس، مع التركيز على القضايا التي تهم الشباب مثل البطالة، والدعم الاقتصادي.
ختامًا، فإن تحسين أوضاع الشباب الأردني يتطلب جهدًا مشتركًا من الحكومة، والأحزاب، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص ، فالقرارات الحالية، رغم أهميتها، ليست سوى خطوات أولى على طريق طويل نحو تمكين الشباب وتلبية طموحاتهم ، وإن الاستثمار في الشباب ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للأردن ، والوقت الآن هو للعمل بجدية وإرادة حقيقية لتحويل هذه القرارات إلى نتائج ملموسة تلبي احتياجات الحاضر وتفتح آفاقًا أوسع للمستقبل.