أبو غوش: الموازنة العامة خالية من أهداف اقتصادية واضحة


رم - أكدت النائب نور أبو غوش خلال كلمتها في مناقشة الموازنة العامة لعام 2025، أن المشروع لم يخرج عن النمط التقليدي، حيث يغيب عنه التخطيط التنموي والاقتصادي، مع ارتفاع الدين العام والعجز المالي، وغياب أي خطط عملية لإيجاد فرص عمل جديدة. كما دعت الحكومة إلى الاستثمار في التعليم، البحث العلمي، السياحة، والثقافة لتعزيز الاقتصاد الوطني، محذرة من استمرار التفاوت المادي بين طبقات المجتمع وغياب العدالة بين المحافظات.

واليكم نص كلمة النائب نور أبو غوش :

بِسْمِ اللهِ الرزاق المنان والصلاة والسلام على المُصطفى العدنان، من علمنا آن العدل أساس العمران.

سَعَادَةَ الرَّئِيسِ
الزملاء والزميلات النُّوَّابِ الكرام
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

جاء في تعريف الاقتصاد أنه فن تلبية احتياجات الناس من الموارد القليلة، ولقد حرصتُ على حضور معظم اجتماعات اللجنة المالية باحثةً في الأرقام ونقاشات الوزراء والمعنيين عن لمحةٍ من هذا الفن، إلا أن حقيقة الأمر بأن مشروع الموازنة لم يخرج عن النمط التقليدي فلم تشهد النسب المتعلقة بالدين العام والعجز تغييرات ملموسة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فكان الأمر أشبه بجردة محاسبية لنفقات وإيرادات غير مضمونة، خالية من أي خطط تنموية أو اقتصادية، فقد قمنا بسداد القروض بقروض دون خطة واضحة لسداد الدين مع ملاحظة أن عبء الدين العام في ازدياد، ولن أدخل بتفاصيل الأرقام لكن يكفي أن مدفوعات فائدة الدين العام في ٢٠٢٤ كانت تعادل أضعاف ما تم انفاقه على الصحة والتعليم.

سعت رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام باستهداف معدل نمو يصل إلى ٥.٦% سنويًا على مدى العقد المقبل. بينما بُني مشروع قانون الموازنة العامة لـ٢٠٢٥ على فرضية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة ٢.٥% بعد احتساب معدل التضخم المتوقع، وهذا التباين بين المستهدف في رؤية التحديث الاقتصادي والتقديرات في مشروع الموازنة يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق الأهداف الطموحة للرؤية، إذ يشير الخبراء إلى أن الوصول إلى معدلات النمو المستهدفة في الرؤية يتطلب زيادة في الإنفاق الرأسمالي والاستثمار في المشاريع التنموية، وهو ما قد لا يتوافق تمامًا مع التقديرات الحالية للموازنة.

تواجه موازنة عام ٢٠٢٥ في الأردن عدة تحديات، ومنها ارتفاع الدين العام، وتحدي العجز المالي وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع في النفقات الجارية، والاعتماد على المنح الخارجية، ولا تقديم لحلول ومشاريع لهذا كله، فالبطالة القنبلة الموقوتة، أرادت رؤية التحديث الاقتصادي أن تستهدف ايجاد مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام ٢٠٣٣، أما مشروع الموازنة فلم يقدم أي خطة لإيجاد فرص عمل، رغم وجود كفاءات أردنية تسمو بهم كل القطاعات، لقد تمكن فريق مكون من أربعة أردنيين من حل مسألة رياضية كانت عالقة منذ عام ١٩٤٩، فبرهنوا نظرية حل المسألة في ثلاث صفحات فقط، ونُشر البحث في إحدى أبرز المجلات العلمية المتخصصة في الرياضيات، والأمثلة كثيرة لعقول أردنية تستحق أن تتوفر لها البيئة الداعمة والموارد اللازمة؛ فلنستثمر في تعليمنا وبحثنا العلمي، ونوفر لشبابنا الفرص ليبدعوا ويُسهموا في بناء مستقبل مشرق لوطننا، حتى لا تغدو فرص العمل في أردننا كالغزلان البرية فيه تؤول للانقراض عاماً تلو آخر، وهنا حديث آخر يطول عن افتقار الخطط لإنقاذ واستثمار الثروات الحيوانية والزراعية.

وأمام الحديث عن البطالة يكشف ديوان المحاسبة عن موظفة لم تلتحق طوال عام ٢٠٢١ بالعمل، ثم دوامت ١٠ أيام في عام ٢٠٢٢، و١٥ يوماً في ٢٠٢٣ وهذا لا يعكس اهمال فرد وحده، بل ضعف مراقبة إدارية ستكون عائقاً أمام كل عملية اصلاح ان استمرت، إضافة إلى كل التجاوزات التي كشفها ديوان المحاسبة، وما خُفي أعظم.

سَعَادَةُ الرَّئِيسِ أَسْتَأْذِنُكَ لِأَنَّ أُخَاطِبَ الحُكُومَةَ مِنْ خِلَالِكَ حتى النهاية.

دَوْلَةُ الرَّئِيسِ،

انتسبتُ لحزبٍ سياسي إيماناً بدور الأحزاب بالتطوير، مدركة بأن كل تنمية اقتصادية ومجتمعية لا سبيل لها دون تنمية سياسية، وأننا بحاجة لحوار وطني اقتصادي فاعل ولفتح الأبواب لما تقدمه الأحزاب والنقابات من رؤى وحلول، ولا يمكنني الحديث عن الموازنة دون سردٍ سريع لما قدمناه في حزب جبهة العمل الإسلامي من دراسة تشخيصية أسفرت عن رؤية اقتصادية بعنوان الأردن ٢٠٣٠ تتضمن مجموعة من الأهداف والسياسات من أجل تعزيز الاقتصاد الوطني بحلول تطبيقية عبر ٩٠ هدف استراتيجي موزعين على أهداف التنمية المستدامة من مكافحة الفقر والبطالة وتعزيز الصحة والتعليم وإيجاد بيئة صديقة للاستثمار وغيرها، مؤمنين أن محاربة التهرب الضريبي وتحسين كفاءة التحصيل، والشفافية في تنفيذ المشاريع الكبرى وحماية الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا وتقديم التيسير الكمي وغيرها من الخطوات العملية، ليست ترفاً بل واجباً لتكون الموازنة سياسة تسهم في البناء لا مجرد خطة مالية.

دولة الرئيس،

لقد جبتَ معظم محافظات الأردن، ورغم أنها زيارات عمل إلا أنك ولا بد تلمست خلالها ومن قبلها أن لكل محافظة بصمتها وجمالها، فالأردن قصة ممتدة آلاف السنين، وتستحق ثقافته أن تغدو محركاً اقتصادياً فاعلاً، عبر تعزيز الهوية وترويجها، فسردية الأردن تحمل حكايا أهل اربد والبلقاء، قصص حوران والغور، روايات البدو والفلاحين.

ما الذي يمنعنا من أن نملك مسارات سياحة للحضارات التي مرت من هنا، طريقاً للحضارة النبطية يبدأ من معان إلى البتراء فالشوبك، أو مساراً للمياه الذي يبدأ من وادي الموجب مرورًا بوادي الحسا ثم البحر الميت، أو طريقاً يروي حكاية الفتح العمري لبيت المقدس يبدأ بمؤتة جنوباً حتى أم قيس واليرموك شمالاً، أو مساراً يمضي متتبعاً لفتح صلاح الدين يُري كيف كانت قلاع الأردن حصن الجيوش الفاتحة وكيف كانت الكرك عضد القدس وأمانها عبر السنين، آو مساراً للقلاع من العقبة إلى الربض ورحلاً عبر الزمن، فمن يعرف الأردن حقاً يدرك عبق التاريخ والحضارة في كل زواياه، فما الذي يمنع سياحتنا من أن تكون مورداً رئيسياً لاقتصادنا بدلاً من آن تكون قطاعاً يحتاج الدعم، ونحن الذين نملك سياحة دينية وصحية وتاريخية وأثرية وبيئية وزراعية.

ما الذي يمنعنا أن نكون منبعاً ثقافياً للعالم، يُدَرَب شبابنا كسفراء ثقافيين، يحملون قصص الأردن وتراثه أينما ذهبوا، ويُستثمر في الصناعات الثقافية والإبداعية والإنتاج الإعلامي الهادف الذي يملك أن يكون قوة ناعمة نتطلع بها للعالم كله بشبابه وكباره.


دولة الرئيس،

تعود آخر إحصاءات رسمية حول دخل ونفقات الأسر لعام ٢٠١٨ حيث تشير أن ٤٩٪ من الأسر الأردنية يقل إنفاقها عن ١٠ آلاف دينار سنوياً، بينما ١٣٪ يزيد إنفاقها على ٢٠ ألف دينار سنوياً، وفي ٢٠٢١ صرح وزير التخطيط والتعاون آنذاك ان نسبة الفقر ارتفعت حوالي ٢٤٪، وفي ٢٠٢٣ أشار تقرير "أطلس اهداف التنمية المستدامة" أن عدد الفقراء في الأردن يعادل ٣٤٪ من السكان.
يُتندر على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها أن الشعب ينقسمون إلى فئتين؛ الأردن و“Jordan”، كناية عن تباين مادي يتزايد ما بين طبقتين مع اختفاء الطبقة الوسطى، ما أدركه أننا كلنا في هذا الوطن أردنيون نبحر في قارب واحد، وأن الأردني لا يجني امتيازاته بناءً على طبقة مادية أو غيرها، ومسؤولية الحكومة ألا تختلف كفاءة التعليم والصحة والطرقات وغيرها ما بين العاصمة والمحافظات والمدن والقرى، والقصص في هـذا كثيرة والمهمة أمامها عظيمة، إلا أنه التكليف الذي قال عنه جلالة الملك في إحدى خطابات العرش: "هاجسي الأول على الدوام هو تحسين نوعية الحياة لكل مواطن ومواطنة في هذا البلد".

إن الشعب الأردني هو صمام الأمان، والأردنيون يطالبوننا اليوم أن نكون أمناء على آمالهم، صادقين مع وجعهم، وأوفياء لحقهم في حياةٍ كريمة، مؤدين للقسم بالله العظيم الذي أديناه جميعاً نواب ووزراء، وإن الوطن أمانة حملها أجدادنا بدمائهم وتضحياتهم، وإن الأمانة اليوم في أعناقنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




عدد المشاهدات : (5786)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :