إلى مركز طبي عمان !!


رم - يستعرض الدكتور ممدوح العبادي في كتابه السياسي " الأمين" تجربته الشخصية بعد حرب حزيران، عندما تم نقله للعمل في مادبا بناءًا على "صفقة غير معلنة"، حيث كان يعمل في مركز طبي هناك.

وعبر عن سعادته بتلك التجربة التي أثرت على معرفته بأهل مادبا وطبيعة حياتهم، مؤكدًاأهمية العمل في المحافظات لاكتساب الخبرة والتعرف على المجتمع بشكل أوسع، ذاكرًا كيف تقدم للحصول على بعثة للتخصص في طب العيون في النمسا، ونتيجة لشائعات قام بنشرها، حيث حصل على فرصة الانتقال للعمل في مستشفى العيون في جبل اللوبيدة، مما ساعده على التخصص في هذا المجال.

وتاليًا النص كما ورد:
" كانت الأشهر التي أعقبت حرب حزيران بغيضة، سادت فيها حالة من اليأس والخذلان العام في الدول العربية، حتى وصلت ذات يوم إلى مقر عملي متأخرا في مادبا، فوجدت مدير الصحة الدكتور توفيق كرادشة، وكان ملقبا بالجنرال لشدته وقوة شخصيته، فسألني على الفور

لماذا أنت متأخر عن موعد الدوام؟»، فأجبته بأنني أقطن في عمان وأنتظر سيارة الأجرة حتى يكتمل نصاب ركابها كاملاً لأستقلها إلى مادبا، ما يعني تأخرها في كثير من الأحيان، إلا أنه عاد وسألني مجددا: لماذا لا تسكن في مادبا ؟ فأجبته بعدم قدرتي على فتح بيتين في عمان ومادبا، فالتزم الصمت حينها، ووجدته في اليوم التالي يصدر قرار نقلي للعمل في مركز طبابة في عمان.

لاحقاً، تكشف لي بأن ابتعاثي إلى مادبا للعمل هناك، كان ضمن صفقة غير معلنة لإحضار طبيب آخر يعمل في مادبا إلى عمان، واسطته وزير عامل في الحكومة حسب ما تسرب حينها. خدمت عامًا واحدًا في مادبا وكان من أجمل فترات خدمتي بكل المعايير، فقد تعرفت عن قرب على أهلها وطبيعة معيشتهم، وطباعهم، وطقوسهم اليومية، وهمومهم . ولو عاد بي الوقت لخدمت مجددا هناك كما أنني أنصح أي طبيب جديد أو موظف عام أن يعمل في المحافظات في بداية حياته العملية، لما تثريه هذه التجربة من سعة اطلاع على أطياف المجتمع الأردني على اختلافاته، وتوفر له صداقات حميمة دائمة تبقى معه طوال العمر.

اختص المركز في عمان بإصدار شهادات الميلاد والمطاعيم واللجان الطبية، وفي المساء كنت أعمل في العيادة الصحية بمنطقة وسط البلد مقابل مبنى البنك العربي. أثناء ذلك صدر تعميم عن وزارة الصحة يعلن عن توفر بعثة للتخصص في طب العيون في النمسا، وكانت الرغبة بهذا الاختصاص تلازمني أيام الدراسة.

سارعت بتقديم طلب، ودفعني فضولي للاستفسار عمن تقدم أيضاً إلى البعثة، فعلمت أن الدكتور سامي صبحي أمين عمرو قد تقدم لذلك، فاخترعت شائعة بأن الدكتور سامي سيذهب للبعثة بحكم سلطة والده الذي كان وزيراً للصحة آنذاك، واستدعاني على إثرها الدكتور أنور البلبيسي وسألني عن سبب ترويجي هذه الشائعة. وأبلغني أن الدكتور سامي أقدم مني، ولديه خبرة عملية مدتها عامان اثنان، كما أن له خبرة سنتين في الجراحة العامة، ويجيد الألمانية لأنه خريج ألمانيا، مبررًا أنه يتفوق علي بمتطلبات المنحة، فقلت له: «قد يطلبون طبيباً لا يمتلك خبرة باللغة الألمانية مثلاً، فأكد لي أنه سيتم إرسال طلبينا وننتظر الرد من الجامعة، إلا أنني عدت وقلت بإصرار: ربما ترسلون طلبه وتهملون طلبي». غضب الدكتور أنور البلبيسي وأنهى المقابلة بحدة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استدعاني الدكتور توفيق كرادشة، وكان في موقع وظيفي أرفع، وحدثني بعصبية قائلاً: «ماذا تريد؟»، فأجبته باختصار:
أمر واحد وبسيط، أن تنقلني إلى مستشفى العيون في جبل اللوبيدة»، فما كان منه إلا أن رد بغضب، طالباً مني أن أداوم في اليوم التالي، وسأجد كتاب النقل قد صدر قبل أن أباشر العمل. ومنذ تلك اللحظة حانت الفرصة لي للتخصص في طب العيون.

وللتاريخ، فإن الوزير عمرو حاول بعد معرفته بما جرى، إقناع الأطباء بابتعاثي لاحقاً، بعد أن نشرت كل تلك الشائعات، وهو لم يكن مذنبا، وأقر له بأنه كان شخصية فاضلة ومستقيمة".



عدد المشاهدات : (8099)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :