خالد دلال يكتب : ترامب من أوقف الحرب


رم - خالد دلال

لو ترك الأمر للرئيس الأميركي المنتهية ولايته خلال ساعات من الآن، الديمقراطي جو بايدن، لكان اتفاق وقف الحرب الإسرائيلية المجردة من الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني الصابر في غزة يراوح مكانه حتى اللحظة، ذلك أنه فشل في توفير الضغط اللازم وعجز، على مدار شهور، من تطويع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقبول وقف إطلاق النار، والذي تمكن ببراعة ودهاء من هزيمة بايدن في لعبة السلم والثعبان، عبر شروط تعجيزية في كل مرة يقترب الاتفاق من النجاح.

لكن القصة اختلفت تماما بعد دخول سيد البيت الأبيض القادم بقوة، دونالد ترامب، على مسار الأحداث، والذي كان لصرامته ولغته الحادة مع نتنياهو فعل السحر، خصوصا بعد أن أرسل الرسالة تلو الأخرى بأن ترامب ليس بايدن، وأن على نتنياهو إنهاء الحرب قبل أن يؤدي اليمين الدستورية خلال ساعات رئيسا للولايات المتحدة.
ولعل من أهم تلك الرسائل قيام ترامب، وقبل أيام معدودة، بنشر مقطع فيديو، عبر حسابه على منصة "تروث سوشال"، متضمنا شتائم إلى حد بعيد بحق نتنياهو، على لسان الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، "متهما إياه بالتلاعب بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبإشعال حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط"، ما أربك حقيقة نتنياهو وفريقه وجعلهم في ذعر من لغة التهديد والوعيد الترامبية.
كما كان لمبعوث الرئيس المنتخب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، دورا محوريا في اللحظات الأخيرة لإجبار نتنياهو وزمرته على قبول اتفاق وقف إطلاق النار عبر تبني عقلية الوصول إلى صفقة بأي ثمن وتحت أي ظرف. ولذلك تناقلت وسائل الإعلام العبرية أنباء عن أن نتنياهو حاول التملص من لقاء مبعوث ترامب بحجة أن الطلب جاء يوم السبت، وهو يوم عطلة اليهود الأسبوعية، إلا أن ويتكوف، وهو مستثمر عقارات يهودي شهير في نيويورك، أجاب بلغة رجال الأعمال الصارمة بعيدا عن المجاملات الدبلوماسية بأنه لا يأبه بذلك، ما أجبر نتنياهو على القدوم صاغرا لمكتبه والوصول إلى اتفاق معه ينقله ويتكوف إلى ترامب، الذي سارع بدوره إلى الإعلان "بأنه لولا الجهود التي قام بها فريقه لما أبصر الاتفاق النور".
وللدلالة على أنه لولا ترامب لما كان هناك وقف لإطلاق النار في غزة ما جاء في مقال للكاتب في صحيفة التلغراف البريطانية، تيم ستانلي، من أن الاتفاق هو "أول انتصار في عهد ترامب قبل أن يدخل البيت الأبيض".
وفي المجمل، فإن كل ما تقدم يضع الجمهوري ترامب في وضع القوي لفرض أجندته على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث بات الجميع، عربا ويهودا، يخشون نقمته على حد سواء، مترجما بذلك "نظرية الرجل المجنون" في السياسة، وعرابها الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، الذي وظفها، إبان الحرب الفيتنامية، ضد خصومه من القوى الشيوعية عبر تصوير نفسه بأنه متقلب وغير عقلاني، ما نشر الذعر في قلوبهم وأجبرهم على عدم استفزازه، تجنبا لردة فعله المجنونة من وجهة نظرهم.
ورغم أن النظرية خلافية، فإنها تقدم فرصة علينا عربا اغتنامها من خلال الاستباقية في التواصل مع سيد البيت الأبيض وكسب وده حماية لمصالحنا قبل كل شيء. واليقين أن ترامب سيكون سعيدا بأن تروي كتب التاريخ مستقبلا أنه من حقق السلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط، شريطة أن يلعب لوحده دور البطولة المطلقة، وفي ذلك تكمن قوة من يملك التأثير في مسار الأحداث، وفي ذلك ما يجب على الجميع إدراكه قبل فوات الأوان.
وفي النهاية، وكما يستهوي الفلاسفة ترديده في السياسة: "من الحكمة محاكاة الجنون".



عدد المشاهدات : (4562)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :