ابو طير يكتب : القادم أخطر فأين هو إعلام الأردن؟


رم - ماهر ابو طير

هذه أكثر دولة تشكو وتتذمر من محاولة استهداف سمعتها، ومنذ أن دخلت إلى هذه المهنة قبل ثلاثة عقود ونحن في ذات الدوامة، أي دوامة تشويه السمعة، ومحاولات التصغير، والأذى.

في قصة غزة، أقر كثيرون للأردن بجهوده، ولم ينكرها هؤلاء، لكن بالمقابل وقعت هجمات حارقة على خلفية تصدير البندورة إلى إسرائيل، حتى بات التندر يتم بهذه القصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وتم تشويه سمعة الأردن على خلفية ما يتردد عن ممر بري خصيصا لإسرائيل، ومرت الحملات بتصدي الأردن للصواريخ الإيرانية، وتم تخوين الأردن عبر عشرات آلاف البوستات والتغريدات، فهو حامي إسرائيل، وحارس أرضها وسمائها وحدودها.

ومثل كل مرة لا يجيد بعضنا سوى رد الفعل المتشنج، أو اللطم، أو البكاء، ونستغرق في استذكار جهد الأردن، الذي سبق دولا كثيرة، لكن تمت التغطية عليه إعلاميا، وطمسه بكل الطرق، وإذا جالست عربا اليوم، يظن كل واحد فيهم أن دولته تفوقت وكانت الأولى في دعم الغزيين، وإذا جئت له بالأرقام أصيب بالذهول، لأن الجهد الأردني تم طمسه من الإعلام العربي، ولأننا نتحدث إلى بعضنا البعض، وكأن الأردني يحاول إقناع أردني آخر.
ووسط هذه التطاحنات تهلّ علينا عشرات الحسابات المزيفة بأسماء أردنية وفلسطينية لتتراشق بالتهم والسفالات والكراهية، لتوليد فتنة داخلية، وصناعة نفور، وخلق انفضاض عن قضية فلسطين، وهي حسابات مزورة، بعضها داخل الأردن، وبعضها خارجه، وكلفتها الأمنية على استقرار الداخل الأردني أخطر من حرب خارجية، بما تعنيه من تصنيع للفتن في الأردن.
ما الذي فعلناه، غير العويل واللطم، في بلد أغلب شعبه متعلم ويسافر، ويدرك أن الإعلام بات صناعة، والصناعة بحاجة إلى تطوير وخطة عمل، وابتكار، وتمويل، واستشراف محلي، وعلى المستوى العربي والدولي، وكل هذا لا يحدث، إلا بشكل منخفض جدا، وإذا قلت هذا الكلام لأحد العباقرة في عمان، ظنك تبحث عن موقع بائس من مواقعهم التي لا نحسدهم عليها أصلا، أو أنك صائد جوائز تبحث عن تمويل لعلك تطلق مشروعا إعلاميا عربيا صغيرا أو كبيرا، وربما ظن وبعض الظن إثم أنك تنتقده شخصيا، لسبب ما، وهو ليس في حسابك أصلا.
لا نريد تبادل الاتهامات، ولكن البلد يخسر كثيرا بسبب الغياب الإعلامي، على صعيد مزاياه التنافسية، حيث سمعة الأردن ليست كما كانت، فالانطباع مثلا عن العلاج والسياحة والتعليم والبنى التحتية وغير ذلك من قضايا أقل من الواقع بكثير، مثلما أن سمعة الأردن السياسية تنال منها الهجمات، وقد سمعت قبل يومين شقيقاً سورياً يشكو من مجرد كشرة موظف أردني في نقطة حدودية، ويبرق بفيديو ليحذر السوريين من العبور من الأردن إلى سورية، فاستغفرت لذنبي وذنوب الأردنيين من شتى مشاتلهم، وقلت سبحان الله، لا يحتمل الشقيق السوري كشرة موظف مرهق، لكن أهله عاشوا مع نظام قتلهم لأكثر من خمسة عقود، وإذا كان ذات السوريين ردوا على تسجيله وقرعوه ودافعوا عن الأردن، فإن هذا النموذج دليل على أنه لا يكفي مواصلة استعمال وسائلنا الحالية المؤثرة بشكل ضعيف، ونحن بحاجة إلى جردة حساب.
الإعلام صناعة، وبحاجة إلى إمكانات مهنية وسياسية ومالية، وإلا سيبقى هذا البلد تحت رحمة غيره، فلا تلوموا لحظتها من يظلم، لأنه إما صاحب توجه يفرض عليه الإساءة للأردن، وإما أنه جاهل، وإذا كنا نعترف أيضا بكون الإعلام الأردني بذل جهدا لا بأس به خلال آخر عام، حتى لا ننكر جهود الرفاق والرفيقات، إلا أن دروس حرب غزة، وملف سورية، وملفات سابقة، يجب أن تطرق الجدار اليوم بكل قوة، لنسأل ما الذي نريده من إعلامنا المحلي، وأين دوره العربي؟ ولنبحث عن حل لتكون السردية الأردنية حاضرة، عربياً، بدلا من حملات الجراد الإلكتروني، التي تصر على أن تقول إننا حفنة خونة وعملاء، ويسكتون على البقية الذين ينسقون مع إسرائيل ليل نهار فلا تصيبهم رمية رمح، بل ويقدمونهم باعتبارهم ثوارا.
لتجلسوا معا أيها السادة، ولتراجعوا كل تفاصيل هذا الملف، خصوصا، أن القادم أخطر، ويكفينا دروس حرب غزة لتعلّمنا، نسبق كل العرب فيها، ونفوز فقط بحملات تشويه السمعة.
اللهم اشهد أنني قد بلغت.



عدد المشاهدات : (6329)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :