ابو طير يكتب : مرحلة جديدة من محاولة تصفية القضية


رم - ماهر ابو طير

في مقالي قبل يومين، الذي كان بعنوان"استبدال جبهة بجبهة في الضفة، أشرت إلى أن إسرائيل بعد كلف حرب غزة، سوف تستثمر الهدنة، وتستبدل غزة بالضفة الغربية.


وخلال اليومين الماضيين، شنت إسرائيل هجوما ضد مدينة جنين ومخيم المدينة، بعد أن خرجت قوات اوسلو الأمنية منه، بعد عمليات تواصلت على مدى 45 يوما، لنزع سلاح المقاتلين، وهذا الهجوم استعملت فيه إسرائيل طائرات الأباتشي، والمروحيات، والمسيرات، فيما أغلب المقاتلين لديهم أسلحة رشاشة وربما متفجرات وألغام، لكن القصة تتجاوز المخيم بكثير، وهو مخيم حاولت سلطة أوسلو تطهيره من المقاومة بذريعة الحفاظ على الفلسطينيين من بطش إسرائيل المتوقع واللاحق، لكنها لم تنجح، وأبرأت ذمتها توطئة لدخول إسرائيل ذاتها.

دخلنا مرحلة جديدة من محاولة تصفية القضية الفلسطينية، وهذه العمليات الإسرائيلية ستؤدي في المحصلة إلى انفجار الضفة الغربية، ومن أبرز التداعيات المحتملة، حدوث انشقاق في أجهزة الأمن الفلسطينية، حيث لا يعقل أن يسكت عشرات آلاف العناصر على قتل أبناء شعبهم، والاحتلال أمامهم، مثلما حدث في قطاع غزة، والاحتلال بعيد عنهم في القطاع، اضافة إلى أن هذه المواجهات ستؤدي إلى مجازر قد تصل إلى استهداف أغلب مدن الضفة، والسعي لنقل الفلسطينيين من مناطق محددة، إلى مناطق ثانية، وتكرار سيناريو ترحيل أهل شمال قطاع غزة إلى جنوبه، من خلال تطبيق تصور جديد لسيناريو الإزاحة السكانية يضمن تفريغا لمدن بأكملها وعلى رأسها الخليل ونابلس، وما ينتظر القدس، والمسجد الأقصى في مرحلة لاحقة، كما أن هذه العمليات ستؤدي إلى تفكيك سلطة أوسلو سياسيا، وإنهاء هياكلها أمام المشهد، في الوقت الذي يظن البعض أن السلطة قادرة على العودة إلى غزة، وحكم القطاع.
التداعيات كثيرة، وعلينا أن نتذكر أن الضفة الغربية، المعرفة إسرائيليا بكونها يهودا والسامرة، أهم لإسرائيل مليون مرة أكثر من قطاع غزة لاعتبارات دينية، وأمنية، وسياق المواجهات العسكرية يأتي في الوقت الذي تريد فيه إسرائيل إعادة فرض سيادتها على الضفة، وتهجير الفلسطينيين نحو الأردن، بشكل ناعم أو قسري، وصولا إلى الدعم الأميركي للمخطط الإسرائيلي في ظل رئاسة أميركية جديدة، تعلن شعارات وقف الحرب، لكنها لا توقفها في الضفة الغربية، لأننا أمام شعار وقف الحرب بشروط الإسرائيليين، وليس بشروط عربية.
وزير الخارجية أيمن الصفدي، يصرح امس في دافوس إن الخطر مجاور للأردن مشيرا إلى كلفة ما يجري في الضفة الغربية، وللمفارقة لم نكد نتنفس الصعداء بخصوص غزة، حتى اشتعلت معركة الضفة، التي ستكون أبرز مستهدفاتها الإسرائيلية إنهاء سلطة أوسلو، ودفن مشروع الدولة الفلسطينية من ناحية جغرافية لعدم توفر أرض للدولة، وتهويد كل الضفة الغربية، ومواصلة تصنيع ظروف اقتصادية طاردة للفلسطينيين الذين عانوا الأمرين في الضفة الغربية خلال حرب غزة، وهذه الظروف ستترافق مع الضغط الأمني والسياسي والعسكري.
معركة الضفة الغربية إذا تواصلت ستؤدي إلى مذابح وهي معركة تعد اختبارا للفلسطينيين، ولقدرة واشنطن على منع تمددها، أو نشوء نتائج سياسية عنها، تصب في إطار صفقة القرن التي كانت واشطن قد تبنتها خلال رئاسة ترامب السابقة، وهي معركة ستقود بالضرورة إلى ملف القدس، والوجود الفلسطيني فيها، وما يرتبط أيضا بالمسجد الأقصى المهدد اليوم بشكل كبير جدا، إذا تواصلت المؤشرات بذات الطريقة ولم تحدث تغيرات مفاجئة على المشهد.
صناعة أزمة سياسية وأمنية وإنسانية في الضفة الغربية، يضر الأردن أولا على صعيد الإقليم، والذي يعنيه الأردن سياسيا وأمنيا، ومحددات الاستقرار وعلاقتها بالأمن الإقليمي، في ظل جبهات مفتوحة مرتبطة بالعراق واليمن، وكلفة معركة الضفة الغربية التي تختلف تماما عن كلفة معركة غزة، لاعتبارات جوار الضفة مع الأردن، والمنطقة العربية.
يخشى مراقبون اليوم أن نكون أمام سيناريو غزة 2 بما تعنيه في الضفة الغربية، والذي يعنيه على كل الملف الفلسطيني، خصوصا، مع رغبة الحكومة الإسرائيلية بالخلاص من محاسبات حرب غزة على المستوى الإسرائيلي، بالهروب نحو جبهة جديدة، وإشعالها بهذا الشكل.
الضفة الغربية في حسابات الأمن الإستراتيجي الأردني، حساسة دائما، لكنها اليوم باتت أكثر حساسية وخطورة مما سبق، وسط حرائق الإقليم وأدخنته التي تتدفق إلينا.



عدد المشاهدات : (4615)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :